قولان : أحدهما : أنّ المعنى : لا يشبعهم شيء ، فهم يأخذون لغير حاجة ، قاله الحسن. والثاني : أنّهم أهل إصرار على الذنوب ، قاله مجاهد.
قوله تعالى : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) قال ابن عباس : وكّد الله عليهم في التّوراة أن لا يقولوا على الله إلّا الحقّ ، فقالوا الباطل ، وهو ما أوجبوا على الله من مغفرة ذنوبهم التي لا يتوبون منها ، وليس في التّوراة ميعاد المغفرة مع الإصرار.
قوله تعالى : (وَدَرَسُوا ما فِيهِ) معطوف على «ورثوا». ومعنى «درسوا ما فيه» : قرءوه ، فكأنه قال : خالفوا على علم. (وَالدَّارُ الْآخِرَةُ) أي : ما فيها من الثواب (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) أنّ الباقي خير من الفاني. قرأ ابن عامر ونافع وحفص عن عاصم بالتاء ، والباقون بالياء.
(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم «يمسّكون» مشدّدة ، وقرءوا (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (١) مخفّفة ، وقرأهما أبو عمرو بالتّشديد. وروى أبو بكر عن عاصم أنه خفّفهما. ويقال : مسّكت بالشيء ، وتمسّكت به ، واستمسكت به ، وامتسكت به. وهذه الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب الذين حفظوا حدوده ولم يحرّفوه ، منهم عبد الله بن سلّام وأصحابه. قال ابن الأنباري : وخبر «الذين» : «إنا» وما بعده ، وله ضمير مقدّر بعد «المصلحين» تأويله : والذين يمسّكون بالكتاب إنّا لا نضيع أجر المصلحين منهم ، ولهذه العلّة وعدهم حفظ الأجر بشرط ، إذ كان منهم من لم يصلح. قال : وقال بعض النّحويين : المصلحون يرجعون على الذين ، وتلخيص المعنى عنده : والذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصّلاة إنّا لا نضيع أجرهم ، فأظهرت كنايتهم بالمصلحين ، كما يقال : عليّ لقيت الكسائيّ ، وأبو سعيد رويت عن الخدريّ ، يراد : لقيته ورويت عنه. قال الشاعر :
فيا ربّ ليلى أنت في كلّ موطن |
|
وأنت الذي في رحمة الله أطمع (٢) |
أراد في رحمته ، فأظهر ضمير الهاء.
(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١))
قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) أي : واذكر لهم إذ نتقنا الجبل ، أي : رفعناه. قال مجاهد : أخرج الجبل من الأرض ، ورفع فوقهم كالظلّة ، فقيل لهم : لتؤمننّ أو ليقعنّ عليكم. قال قتادة : نزلوا في أصل جبل ، فرفع فوقهم ، فقال : لتأخذنّ أمري ، أو لأرمينّكم به.
قوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) فيه قولان : أحدهما : أنه الظّنّ المعروف. والثاني : أنه بمعنى اليقين. وباقي الآية مفسّر في (البقرة).
__________________
(١) سورة الممتحنة : ١٠.
(٢) البيت غير منسوب في «مغني اللبيب» ٢١٠.