(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤))
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ) قال الزّجّاج : يقال لكل مدينة : قرية ، لاجتماع الناس فيها. وقال غيره : في الآية اختصار ، تقديره : فكذّبوه. (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ) وقد سبق تفسير البأساء والضّرّاء في سورة الأنعام ، وتفسير التّضرّع في هذه السورة. ومقصود الآية : إعلام النبيّ صلىاللهعليهوسلم بسنّة الله في المكذّبين ، وتهديد قريش.
(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧))
قوله تعالى : (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ) فيه قولان : أحدها : أنّ السّيئة : الشّدة ؛ والحسنة ؛ الرّخاء ، قاله ابن عباس. والثاني : السّيئة : الشّرّ ؛ والحسنة : الخير ، قاله مجاهد.
قوله تعالى : (حَتَّى عَفَوْا) قال ابن عباس : كثروا ، وكثرت أموالهم. (وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) فنحن مثلهم يصيبنا ما أصابهم ، يعني : أنّهم أرادوا أنّ هذا دأب الدّهر وليس بعقوبة (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً) أي فجأة بنزول العذاب (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بنزوله حتى أهلكهم. قوله تعالى : (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) قال الزّجّاج : المعنى : أتاهم الغيث من السماء ، والنّبات من الأرض ، وجعل ذلك زاكيا كثيرا.
(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩))
قوله تعالى : (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، ونافع : «أو أمن أهل» بإسكان الواو. وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : (أَوَأَمِنَ) بتحريك الواو. وروى ورش عن نافع : «أو أمن» يدغم الهمزة ، ويلقي حركتها على الساكن.
(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١))
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ) وقرأ يعقوب : «نهد» بالنون ، وكذلك في (طه) (١) ، و (السجدة) (٢). قال الزّجّاج : من قرأ بالياء ، فالمعنى : أو لم يبيّن الله لهم. ومن قرأ بالنون ، فالمعنى : أو لم نبيّن. وقوله تعالى : (وَنَطْبَعُ) ليس بمحمول على «أصبناهم» ، لأنّه لو حمل على «أصبناهم» لكان : ولطبعنا. وإنّما المعنى : ونحن نطبع على قلوبهم. ويجوز أن يكون محمولا على الماضي ،
__________________
(١) سورة طه : ١٢٨.
(٢) سورة السجدة : ٢٦.