فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣))
قوله تعالى : (قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ) وذلك أنّ القوم كانوا يدّعون أنّ الله أمرهم بما هم عليه ، فلذلك سمّوه ملّة. (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) أي : في الملّة ، (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي : إلّا أن يكون قد سبق في علم الله ومشيئته أن نعود فيها ، (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) قال ابن عباس : يعلم ما يكون قبل أن يكون.
قوله تعالى : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) أي : فيما توعّدتمونا به ، وفي حراستنا عن الضّلال. (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) قال أبو عبيدة : أحكم بيننا ، وأنشد
ألا أبلغ بني عصم رسولا |
|
بأنّي عن فتاحتكم غنيّ (١) |
قال الفرّاء : وأهل عمان يسمّون القاضي : الفاتح والفتاح. قال الزّجّاج : وجائز أن يكون المعنى : أظهر أمرنا حتى ينفتح ما بيننا وينكشف ؛ فجائز أن يكونوا سألوا بهذا نزول العذاب بقومهم ليظهر أنّ الحق معهم.
قوله تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) فيه أربعة أقوال :
أحدها : كأن لم يعيشوا في دارهم ، قاله ابن عباس ، والأخفش. قال حاتم طيء :
غنينا زمانا بالتّصعلك والغنى |
|
فكلّا سقاناه بكأسيهما الدّهر (٢) |
فما زادنا بغيا على ذي قرابة |
|
غنانا ، ولا أزري بأحسابنا الفقر (٣) |
قال الزّجّاج : معنى غنينا : عشنا. والتّصعلك : الفقر ، والعرب تقول للفقير : الصّعلوك.
والثاني : كأن لم يتنعّموا فيها ، قاله قتادة. والثالث : كأن لم يكونوا فيها ، قاله ابن زيد ، ومقاتل.
والرابع : كأن لم ينزلوا فيها ، قاله الزّجّاج. قال الأصمعيّ : المغاني : المنازل ، يقال : غنينا بمكان كذا ، أي : نزلنا به. وقال ابن قتيبة : كأن لم يقيموا فيها ، ومعنى : غنينا بمكان كذا : أقمنا. قال ابن الأنباري : وإنما كرّر قوله : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً) للمبالغة في ذمّهم ؛ كما تقول : أخوك الذي أخذ أموالنا ، أخوك الذي شتم أعراضنا.
قوله تعالى : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) فيه قولان : أحدهما : أعرض. والثاني : انصرف. (وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) قال قتادة : أسمع شعيب قومه ، وأسمع صالح قومه ؛ كما أسمع نبيّكم قومه يوم بدر ، يعني : أنه خاطبهم بعد الهلاك. (فَكَيْفَ آسى) أي : أحزن. وقال أبو إسحاق : أصاب شعيبا على قومه حزن شديد ، ثم عاتب نفسه ، فقال : كيف آسى على قوم كافرين.
__________________
(١) البيت منسوب إلى أبي عبيدة في «اللسان» فتح.
(٢) البيتان منسوبان إلى حاتم طيء في «ديوان حاتم». ١١٩.
(٣) في «الديوان» و «الخزانة» ؛ «فما زادونا بأوا». والبأو : الكبر والفخر.