(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٤))
قوله تعالى : (أَوَعَجِبْتُمْ) قال الزّجّاج : هذه واو العطف ، دخلت عليها ألف الاستفهام ، فبقيت مفتوحة. وفي الذّكر قولان : أحدهما : الموعظة. والثاني : البيان. وفي قوله : (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) قولان : أحدهما : أنّ «على» بمعنى : «مع» ، قاله الفرّاء. والثاني : أنّ المعنى : على لسان رجل منكم ، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى : (قَوْماً عَمِينَ) قال ابن عباس : عميت قلوبهم عن معرفة الله وقدرته وشدّة بطشه. (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠))
قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ) المعنى : وأرسلنا إلى عاد (أَخاهُمْ هُوداً). قال الزّجّاج : وإنما قيل : أخوهم ، لأنه بشر مثلهم من ولد أبيهم آدم. ويجوز أن يكون أخاهم لأنه من قومهم. وقال أبو سليمان الدّمشقيّ : وعاد قبيلة من ولد سام بن نوح ؛ وإنما سماه أخاهم لأنه كان نسيبا لهم ، وهو وهم من ولد عاد بن عوص بن إرم بن سام.
قوله تعالى : (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) قال ابن قتيبة : السّفاهة : الجهل. وقال الزّجّاج : السّفاهة : خفّة الحلم والرأي ؛ يقال : ثوب سفيه ، إذا كان خفيفا. (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) فكفروا به ، ظانّين ، لا مستيقنين. (قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ) هذا موضع أدب للخلق في حسن المخاطبة ، فإنه دفع ما سبّوه به من السّفاهة بنفيه فقط.
قوله تعالى : (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) قال الضّحّاك : أمين على الرّسالة. وقال ابن السّائب : كنت فيكم أمينا قبل اليوم.
قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) ذكّرهم النّعمة حيث أهلك من كان قبلهم ، وأسكنهم مساكنهم. (وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) أي : طولا وقوّة. وقال ابن عباس : كان أطولهم مائة ذراع ، وأقصرهم ستين ذراعا. قال الزّجّاج : وآلاء الله : نعمه ؛ واحدها : إلى. قال الشاعر :
أبيض لا يرهب الهزال ولا |
|
يقطع رحما ولا يخون إلى (١) |
ويجوز أن يكون واحدها «إليا» ، «وألى».
__________________
(١) البيت منسوب لأعشى قيس ، ديوانه : ٢٣٥ «اللسان» ألا.