قوله تعالى : (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى) أي : كما أحيينا هذا البلد. وقال مجاهد : نحيي الموتى بالمطر كما أحيينا البلد الميت به. قال ابن عباس : يرسل الله تعالى بين النّفختين مطرا كمنيّ الرّجال ، فينبت الناس به في قبورهم كما نبتوا في بطون أمّهاتهم.
قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) قال الزّجّاج : لعلّ : ترجّ. وإنّما خوطب العباد على ما يرجوه بعضهم من بعض ؛ والمعنى : لعلّكم بما بيّناه لكم تستدلّون على توحيد الله وأنه يبعث الموتى.
(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨))
قوله تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) يعني الأرض الطّيّبة التّربة ، (يَخْرُجُ نَباتُهُ) وقرأ ابن أبي عبلة : «يخرج» بضمّ الياء وكسر الراء ، «نباته» بنصب التاء ، (وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ) كذلك أيضا. وروى أبان عن عاصم : «لا يخرج» بضمّ الياء وكسر الراء. والمراد بالذي خبث : الأرض السّبخة.
قوله تعالى : (إِلَّا نَكِداً) قرأ الجمهور : بفتح النّون وكسر الكاف ، وقرأ أبو جعفر : «نكدا» بفتح الكاف. وقرأ مجاهد ، وقتادة ، وابن محيصن : «نكدا» بإسكان الكاف. قال أبو عبيدة : قليلا عسيرا في شدّة ، وأنشد :
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن |
|
أعطيت أعطيت تافها نكدا (١) |
قال المفسّرون : هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر ؛ فالمؤمن إذا سمع القرآن وعقله انتفع به وبان أثره عليه ، فشبّه بالبلد الطّيّب الذي يمرع ويخصب ويحسن أثر المطر عليه ؛ وعكسه الكافر.
(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢))
قوله تعالى : (اعْبُدُوا اللهَ) قال مقاتل : وحّدوه ؛ وكذلك في سائر القصص بعدها.
قوله تعالى : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) قرأ الكسائيّ : «غيره» بالخفض. قال أبو عليّ : جعل غيرا صفة ل «إله» على اللفظ.
قوله تعالى : (أُبَلِّغُكُمْ) قرأ أبو عمرو : «أبلغكم» ساكنة الباء خفيفة اللام. وقرأ الباقون : «أبلّغكم» مفتوحة الباء مشدّدة اللام.
قوله تعالى : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) يقال : نصحته ونصحت له ، وشكرته وشكرت له.
قوله تعالى : (وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي : من مغفرته لمن تاب عليه وعقوبته لمن أصرّ.
وقال مقاتل : أعلم من نزول العذاب ما لا تعلمونه ؛ وذلك أنّ قوم نوح لم يسمعوا بقوم عذّبوا قبلهم.
__________________
(١) البيت منسوب إلى أبي عبيدة «اللسان» تفه.