أنشر الله الرّيح ، مثل أحياها ، فنشرت ، أي : حييت. والدليل على أنّ إنشار الرّيح إحياؤها قول الفقعسي :
وهبّت له ريح الجنوب وأحييت |
|
له ريدة يحيي المياه نسيمها (١) |
ويدلّ على ذلك أنّ الرّيح قد وصفت بالموت. قال الشاعر :
إنّي لأرجو أن تموت الرّيح |
|
وأقعد اليوم وأستريح |
والرّيدة والرّيدانة : الرّيح. وقرأ ابن عامر ، وعبد الوارث ، والحسن البصريّ : «نشرا» بالنون مضمومة وسكون الشين ، وهي في معنى «نشرا». يقال : كتب وكتب ، ورسل ورسل. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وخلف ، والمفضّل عن عاصم : «نشرا» بفتح النون وسكون الشين. قال الفراء : النّشر : الرّيح الطّيّبة اللّينة التي تنشئ السّحاب. وقال ابن الأنباري : النّشر : المنتشرة الواسعة الهبوب. وقال أبو عليّ : يحتمل النّشر أن يكون خلاف الطّيّ ، كأنّها كانت بانقطاعها كالمطويّة. ويحتمل أن يكون معناها ما قاله أبو عبيدة في النّشر : أنها المتفرّقة في الوجوه ؛ ويحتمل أن يكون من النّشر الذي هو الحياة ، كقول الشاعر :
يا عجبا للميّت النّاشر (٢)
قال : وهذا هو الوجه. وقرأ أبو رجاء العطاردي ، وإبراهيم النّخعيّ ، ومسروق ، ومورّق العجلي : «نشرا» بفتح النون والشين. قال ابن القاسم : وفي النّشر وجهان : أحدهما : أن يكون جمعا للنّشور ، كما قالوا : عمود وعمد ، وإهاب وأهب. والثاني : أن يكون جمعا ، واحده ناشر ، يجري مجرى قوله : غائب وغيب ، وحافد وحفد ؛ وكلّ هؤلاء القرّاء نوّن الكلمة. وكذلك اختلافهم في (سورة الفرقان) (٣) و (سورة النّمل) (٤). هذه قراءات من قرأ بالنّون. وقد قرأ آخرون بالباء ؛ فقرأ عاصم إلّا المفضّل : «بشرى» بالباء المضمومة وسكون الشين مثل فعلى. قال ابن الأنباري : وهي جمع بشيرة ، وهي التي تبشّر بالمطر. والأصل ضمّ الشّين ، إلّا أنّهم استثقلوا الضّمّتين. وقرأ ابن خثيم ، وابن حذلم مثله ، إلّا أنّهما نونا الراء. وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة : بضمّ الباء والشّين ، وهذا على أنها جمع بشيرة. والرّحمة هاهنا : المطر ؛ سمّاه رحمة لأنه كان بالرّحمة. و «أقلّت» بمعنى حملت. قال الزّجّاج : السّحاب : جمع سحابة. قال ابن فارس : سمّي السّحاب لانسحابه في الهواء.
قوله تعالى : (ثِقالاً) أي : بالماء. وقوله تعالى : (سُقْناهُ) ردّ الكناية إلى لفظ السّحاب ، ولفظه لفظ واحد. وفي قوله : «لبلد» قولان : أحدهما : إلى بلد. والثاني : لإحياء بلد. والميّت : الذي لا ينبت فيه ، فهو محتاج إلى المطر. وفي قوله تعالى : (فَأَنْزَلْنا بِهِ) ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ الكناية ترجع إلى السّحاب. والثاني : إلى المطر ، ذكرهما الزّجّاج. والثالث : إلى البلد ، ذكره ابن الأنباري. فأمّا هاء (فَأَخْرَجْنا بِهِ) فتحتمل الأقوال الثلاثة.
__________________
(١) البيت غير منسوب في «اللسان» ريد ، الريدة : الريح اللينة.
(٢) البيت منسوب لأعشى قيس ، ديوانه ١٨.
(٣) سورة الفرقان : الآية ٤٨ : قوله تعالى : (بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ).
(٤) سورة النمل : الآية ٦٣ : قوله تعالى : (بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ).