آدم ، ثم صوّرناكم في الأرحام ، رواه عبد الله بن الحارث عن ابن عباس. والثاني : ولقد خلقناكم في أصلاب الرّجال ، وصوّرناكم في أرحام النّساء ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة. والثالث : «ولقد خلقناكم» ، يعني آدم ، «ثم صوّرناكم» ، يعني ذرّيته من بعده ؛ رواه العوفيّ عن ابن عباس. والرابع : «ولقد خلقناكم» ، : يعني آدم ، «ثم صوّرناكم» في ظهره ، قاله مجاهد. والخامس : «خلقناكم» نطفا في أصلاب الرّجال ، وترائب النّساء ، «ثم صوّرناكم» عند اجتماع النّطف في الأرحام ، قاله ابن السّائب. والسادس : «خلقناكم» في بطون أمّهاتكم ، «ثم صوّرناكم» فيما بعد الخلق بشقّ السّمع والبصر ، قاله معمر. والسابع : «خلقناكم» ، يعني آدم خلقناه من تراب ، «ثم صوّرناكم» ، أي : صوّرناه ، قاله الزّجّاج ، وابن قتيبة. قال ابن قتيبة : فجعل الخلق لهم إذ كانوا منه ؛ فمن قال : عنى بقوله : «خلقناكم» آدم ، فمعناه : خلقنا أصلكم ؛ ومن قال : صوّرنا ذرّيته في ظهره ، أراد إخراجهم يوم الميثاق كهيئة الذّرّ. والثامن : «ولقد خلقناكم» يعني الأرواح ، «ثم صوّرناكم» يعني الأجساد ، حكاه القاضي أبو يعلى في «المعتمد». وفي «ثمّ» المذكورة مرّتين قولان : أحدهما : أنّها بمعنى الواو ، قاله الأخفش. والثاني : أنّها للتّرتيب ، قاله الزّجّاج.
(قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢))
قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) «ما» استفهام ، ومعناها الإنكار. قال الكسائيّ : «لا» ها هنا زائدة. والمعنى : ما منعك أن تسجد؟. وقال الزّجّاج : موضع «ما» رفع. والمعنى أيّ شيء منعك من السجود؟ و «لا» زائدة مؤكّدة ؛ ومثله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (١) قال ابن قتيبة : وقد تزاد «لا» في الكلام. والمعنى : طرحها لإباء في الكلام ، أو جحد ، كهذه الآية. وإنّما زاد «لا» لأنّه لم يسجد. ومثله : (أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢) على قراءة من فتح «أنّها» ، فزاد «لا» لأنّهم لم يؤمنوا ؛ ومثله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣). وقال الفرّاء : «لا» ها هنا جحد محض ، وليست بزائدة ، والمنع راجع إلى تأويل القول ، والتأويل : من قال لك : لا تسجد؟ ، فأحلّ المنع محلّ القول ، ودخلت بعده «أن» ليدلّ على تأويل القول الذي لم يتصرّح لفظه. وقال ابن جرير : في الكلام محذوف ، تقديره : ما منعك من السّجود ، فأحوجك أن لا تسجد؟. قال الزّجّاج : وسؤال الله تعالى لإبليس «ما منعك» توبيخ له ، وليظهر أنه معاند ، ولذلك لم يتب ، وأتى بشيء في معنى الجواب ، ولفظه غير جواب ، لأنّ قوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) إنما هو جواب ، أيكما خير؟ ولكن المعنى : منعني من السجود فضلي عليه. ومثله قولك للرّجل : كيف كنت؟ فيقول : أنا صالح ؛ وإنما الجواب : كنت صالحا ، فيجيب بما يحتاج إليه وزيادة. قال العلماء : وقع الخطأ من إبليس حين قاس مع وجود النّصّ ، وخفي عليه فضل الطّين على النّار ؛ وفضله من وجوه : أحدها : أنّ من طبع النار الطّيش والالتهاب والعجلة ، ومن طبع الطّين الهدوء والرّزانة. والثاني : أنّ الطّين سبب الإنبات والإيجاد ، والنّار سبب الإعدام
__________________
وتعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) نظير قول القائل : «قام عبد الله ثم قعد عمرو». في أنه غير جائز أن يكون أمر الله الملائكة بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير لما وصفنا قبل. ا. ه.
(١) سورة الحديد : ٢٩.
(٢) سورة الأنعام : ١٠٩.
(٣) سورة الأنبياء : ٩٥.