قد كنت قبل
لقائكم ذا مرّة
|
|
عندي لكلّ مخاصم
ميزانه
|
يعني : مثل كلامه
ولفظه.
فصل
: والقول بالميزان
مشهور في الحديث ، وظاهر القرآن ينطق به. وأنكرت المعتزلة ذلك ، وقالوا : الأعمال
أعراض ، فكيف توزن؟ فالجواب : أنّ الوزن يرجع إلى الصّحائف ، بدليل حديث عبد الله
بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
(٥٦٨) «إنّ الله عزوجل يستخلص رجلا من أمّتي على رؤوس الناس يوم القيامة ، فينشر
عليه تسعة وتسعين سجلّا ، كلّ سجلّ مدّ البصر ، ثم يقول له : أتنكر من هذا شيئا؟
أظلمتك كتبتي الحافظون؟ فيقول : لا يا ربّ. فيقول : ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل
، فيقول : لا يا ربّ ؛ فيقول : بلى ، إنّ لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم
، فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، فتوضع
السّجلّات في كفّة ، والبطاقة في كفّة ؛ قال : فطاشت السّجلّات وثقلت البطاقة»
أخرجه أحمد في «مسنده» ، والتّرمذيّ.
(٥٦٩) وروى أبو
هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يؤتى بالرّجل الطويل الأكول الشّروب ، فلا يزن
جناح بعوضة» ، فعلى هذا يوزن الإنسان.
قال ابن عباس :
توزن الحسنات والسّيئات في ميزان ، له لسان وكفّتان. فأمّا المؤمن ، فيؤتى بعمله
في أحسن صورة ، فيوضع في كفّة الميزان ، فيخفّ وزنه. وقال الحسن : للميزان لسان
وكفّتان. وجاء في الحديث :
(٥٧٠) أنّ داود عليهالسلام سأل ربّه أن يريه الميزان ، فأراه إيّاه ؛ فقال : يا إلهي
، من يقدر أن يملأ كفّتيه حسنات؟ فقال : يا داود ، إنّي إذا رضيت عن عبدي ، ملأتها
بتمرة.
وقال حذيفة :
جبريل صاحب الميزان يوم القيامة يقول له ربّه : زن بينهم ، وردّ من بعضهم على بعض
؛ فيردّ على المظلوم من الظالم ما وجد له من حسنة. فإن لم تكن له حسنة ، أخذ من
سيئات المظلوم ، فردّ على سيئات الظالم ، فيرجع وعليه مثل الجبل.
فإن قيل : أليس
الله عزوجل يعلم مقادير الأعمال ، فما الحكمة في وزنها؟
فالجواب أنّ فيه
خمسة حكم : إحداها : امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا. والثانية : إظهار علامة
السّعادة والشّقاوة في الأخرى. والثالثة : تعريف العباد ما لهم من خير وشرّ.
والرابعة : إقامة
____________________________________
(٥٦٨) حديث حسن
صحيح. أخرجه الترمذي ٢٦٣٩ وابن ماجة ٤٣٠٠ وأحمد ٢ / ٢١٣ وابن حبان ٢٢٥ والحاكم ١ /
٥٢٩. من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو حسن
لأجل عامر بن يحيى ، وبقية رجاله رجال مسلم. وورد من طريق ابن لهيعة أخرجه أحمد ٢
/ ٢٢٢ وابن لهيعة حسن الحديث في الشواهد والمتابعات. وانظر «تفسير الشوكاني» ٩٦٧
بتخريجنا.
(٥٦٩) صحيح. أخرجه
البخاري ٤٧٢٩ ومسلم ٢٧٨٥ من حديث أبي هريرة.
(٥٧٠) لم أقف عليه
، ولعل مصدره كتب الأقدمين ، والله أعلم.
__________________