قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة |
|
عندي لكلّ مخاصم ميزانه (١) |
يعني : مثل كلامه ولفظه.
فصل : والقول بالميزان مشهور في الحديث ، وظاهر القرآن ينطق به. وأنكرت المعتزلة ذلك ، وقالوا : الأعمال أعراض ، فكيف توزن؟ فالجواب : أنّ الوزن يرجع إلى الصّحائف ، بدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
(٥٦٨) «إنّ الله عزوجل يستخلص رجلا من أمّتي على رؤوس الناس يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلّا ، كلّ سجلّ مدّ البصر ، ثم يقول له : أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ فيقول : لا يا ربّ. فيقول : ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل ، فيقول : لا يا ربّ ؛ فيقول : بلى ، إنّ لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم ، فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، فتوضع السّجلّات في كفّة ، والبطاقة في كفّة ؛ قال : فطاشت السّجلّات وثقلت البطاقة» أخرجه أحمد في «مسنده» ، والتّرمذيّ.
(٥٦٩) وروى أبو هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يؤتى بالرّجل الطويل الأكول الشّروب ، فلا يزن جناح بعوضة» ، فعلى هذا يوزن الإنسان.
قال ابن عباس : توزن الحسنات والسّيئات في ميزان ، له لسان وكفّتان. فأمّا المؤمن ، فيؤتى بعمله في أحسن صورة ، فيوضع في كفّة الميزان ، فيخفّ وزنه. وقال الحسن : للميزان لسان وكفّتان. وجاء في الحديث :
(٥٧٠) أنّ داود عليهالسلام سأل ربّه أن يريه الميزان ، فأراه إيّاه ؛ فقال : يا إلهي ، من يقدر أن يملأ كفّتيه حسنات؟ فقال : يا داود ، إنّي إذا رضيت عن عبدي ، ملأتها بتمرة.
وقال حذيفة : جبريل صاحب الميزان يوم القيامة يقول له ربّه : زن بينهم ، وردّ من بعضهم على بعض ؛ فيردّ على المظلوم من الظالم ما وجد له من حسنة. فإن لم تكن له حسنة ، أخذ من سيئات المظلوم ، فردّ على سيئات الظالم ، فيرجع وعليه مثل الجبل.
فإن قيل : أليس الله عزوجل يعلم مقادير الأعمال ، فما الحكمة في وزنها؟
فالجواب أنّ فيه خمسة حكم : إحداها : امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا. والثانية : إظهار علامة السّعادة والشّقاوة في الأخرى. والثالثة : تعريف العباد ما لهم من خير وشرّ. والرابعة : إقامة
____________________________________
(٥٦٨) حديث حسن صحيح. أخرجه الترمذي ٢٦٣٩ وابن ماجة ٤٣٠٠ وأحمد ٢ / ٢١٣ وابن حبان ٢٢٥ والحاكم ١ / ٥٢٩. من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو حسن لأجل عامر بن يحيى ، وبقية رجاله رجال مسلم. وورد من طريق ابن لهيعة أخرجه أحمد ٢ / ٢٢٢ وابن لهيعة حسن الحديث في الشواهد والمتابعات. وانظر «تفسير الشوكاني» ٩٦٧ بتخريجنا.
(٥٦٩) صحيح. أخرجه البخاري ٤٧٢٩ ومسلم ٢٧٨٥ من حديث أبي هريرة.
(٥٧٠) لم أقف عليه ، ولعل مصدره كتب الأقدمين ، والله أعلم.
__________________
(١) البيت منسوب إلى ثعلب في «اللسان». والميزان : المقدار.