ثمانية وعشرون حرفا ؛ فالمعنى : حروف المعجم : كتاب أنزلناه إليك. قال ابن الأنباري : ويجوز أن يرتفع الكتاب بإضمار : هذا الكتاب. وفي الحرج قولان : أحدهما : أنه الشّكّ ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسّدّيّ ، وابن قتيبة. والثاني : أنه الضّيق ، قاله الحسن ، والزّجّاج. وفي هاء «منه» قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى الكتاب ؛ فعلى هذا ، في معنى الكلام قولان : أحدهما : لا يضيقنّ صدرك بالإبلاغ ، ولا تخافنّ ، قاله الزّجّاج. والثاني : لا تشكنّ أنه من عند الله. والقول الثاني : أنها ترجع إلى مضمر ، وقد دلّ عليه الإنذار ، وهو التّكذيب ، ذكره ابن الأنباري. قال الفرّاء : فمعنى الآية : لا يضيقنّ صدرك أن كذّبوك. قال الزّجّاج : وقوله تعالى : (لِتُنْذِرَ بِهِ) مقدّم ؛ والمعنى : أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين ، فلا يكن في صدرك حرج منه. (وَذِكْرى) يصلح أن يكون في موضع رفع ونصب وخفض ؛ فأمّا النّصب ، فعلى قوله : أنزل إليك لتنذر به ، وذكرى للمؤمنين أي ولتذكّر به ذكرى ، لأنّ في الإنذار معنى التّذكير. ويجوز الرفع على أن يكون : وهو ذكرى ، كقولك : وهو ذكرى للمؤمنين. فأمّا الخفض ، فعلى معنى : لتنذر ، لأنّ معنى «لتنذر» : لأنّ تنذر ؛ المعنى للإنذار والذّكرى ، وهو في موضع خفض.
(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣))
قوله تعالى : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) ؛ إن قيل : كيف خاطبه بالإفراد في الآية الأولى ، ثم جمع بقوله : «اتّبعوا»؟ فعنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أنه لمّا علم أنّ الخطاب له ولأمّته ، حسن الجمع لذلك المعنى. والثاني : أنّ الخطاب الأوّل خاصّ له ؛ والثاني محمول على الإنذار ، والإنذار في طريق القول ، فكأنه قال : لتقول لهم منذرا : (اتَّبِعُوا ...) ، ذكرهما ابن الأنباري. والثالث : أنّ الخطاب الثاني للمشركين ، ذكره جماعة من المفسّرين ؛ قالوا : والذي أنزل إليهم القرآن. وقال الزّجّاج : الذي أنزل : القرآن وما أتى عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، لأنه ممّا أنزل عليه ، لقوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (١). (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) أي : لا تتولّوا من عدل عن دين الحقّ ، وكلّ من ارتضى مذهبا فهو وليّ أهل المذهب. وقوله تعالى : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) ما : زائدة مؤكّدة ؛ والمعنى : قليلا تتذكّرون. قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم : «تذّكّرون» مشددة الذال والكاف. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «تذكّرون» خفيفة الذّال مشددة الكاف. قال أبو عليّ : من قرأ «تذكرون» بالتّشديد ، أراد «تتذكرون» فأدّغم التّاء في الذال ، وإدغامها فيها حسن ، لأنّ التاء مهموسة ، والذال مجهورة ؛ والمجهور أزيد صوتا من المهموس وأقوى ؛ فإدغام الأنقص في الأزيد حسن. فأما حمزة ومن وافقه ، فإنهم حذفوا التاء التي أدغمها هؤلاء ، وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة. وقرأ ابن عامر : «يتذكرون» بياء وتاء ، على الخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ والمعنى : قليلا ما يتذكّر هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب.
(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤))
قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) ، و «كم» تدلّ على الكثرة ، و «ربّ» : موضوعة للقلّة. قال
__________________
(١) سورة الحشر : ٧.