أحدها : انا نرى الأعراض مقابلة للجسم ، الا أنها حالة فى الأجسام
المقابلة للرائى. فكانت فى حكم المقابلة. وثانيها : انا نرى وجوهنا فى المرآة ،
ويستحيل أن يكون الوجه مقابل لنفسه ، الا أن الشعاع يخرج من العين الى المرآة ، ثم
ينعكس من المرآة الى الوجه ، وبهذا الطريق يكون الوجه جاريا مجرى المقابل لنفسه.
وثالثها : الشيء الّذي يوضع فى الرطوبة. فانه وان لم يكن فى مقابلة العين ، الا أن
شعاع العين ينعطف عليه ويصير مرئيا. فهو أيضا فى حكم المقابل. اذا عرفت هذا فنقول
: ان «أبا الحسين البصرى» ادعى العلم الضرورى بأن ما لا يكون مقابلا ، ولا فى حكم
المقابل ، يمتنع أن يرى.
الشبهة الثالثة ـ وهى شبهة الانطباع ـ وهى أن كل ما يصير مرئيا ، لا بد وأن
تنطبع صورته ومثاله فى العين. والله تعالى لا صورة له ولا مثال ، فوجب أن تمتنع
رؤيته.
الشبهة الرابعة : ان كل ما كان مرئيا ، فلا بد له من لون وشكل. ودليله :
الاستقراء. والله تعالى منزه عن ذلك ، فوجب أن لا يرى.
فهذا مجموع شبههم
فى نفى الرؤية.
* * *
والجواب عن الشبهة الأولى ـ وهى تمسكهم
بقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ) [الأنعام ١٠٣] من وجوه :
الأول : لا نسلم أن الادراك عبارة عن الرؤية ، بل هو عبارة عن
الوصول. يقال : أدرك الغلام اذا صار بالغا ، وأدركت الثمرة اذا وصلت الى حد النضج.
قال تعالى : (قالَ أَصْحابُ مُوسى
: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء ٦١] أى
لملحقون. اذا عرفت هذا فنقول : ان من رأى شيئا ورأى أطرافه ونهاياته. قيل : انه
أدركه ـ على تقدير أن يكون قد أحاط به من جملة جوانبه ـ وهذا المعنى انما يتحقق فى
الشيء الّذي له أطراف ونهايات. والبارى تعالى منزه عن ذلك. فلم تكن