وان قيل : لو كان النظر عبارة عن تقليب الحدقة ، لكان معنى الآية :
انه تعالى لا يقلب حدقته إليهم. ومعلوم أن ذلك باطل.
قلنا
: لو جعلنا النظر
حقيقة فى تقليب الحدقة ، أمكن حمل قوله تعالى : (وَلا يَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ) على ترك الرحمة. أما لو جعلناه حقيقة فى الرؤية ، لا يمكن
حمله على ترك الرحمة. فكان الأول أولى.
والّذي يدل على ما
قلناه : أن تقليب الحدقة الى جانب الشيء لا يختاره الانسان الا اذا أحبه. ومتى
أحبه فانه يرحمه ظاهرا ، فحصل بين تقليب الحدقة الى جهة الشيء وبين ايصال الرحمة
إليه هذه الملازمة.
وأيضا : تقليب
الحدقة الى جهة الشيء ، وايصال الرحمة إليه ، فعلان اختياريان .. فحصل بينهما هذه
المشابهة والملازمة. وكل واحد منهما سبب مستقل لحسن المجاز. أما لو جعلنا النظر
عبارة عن الرؤية ، لم يحصل بينه وبين الرحمة ، لا الملازمة ولا المشاكلة. أما
الملازمة فلأنه ليس كل ما يراه الانسان أحبه ، بل الّذي يختاره الانسان فانه يحبه.
لكن اختيار الرؤية ، ليس الا تقليب الحدقة نحوه. فثبت : أن حمل النظر على تقليب
الحدقة أولى.
الحجة الثالثة : لو كان النظر عبارة عن الرؤية ، لوجب أن يقال : رأيت إليه.
كما يقال : نظرت إليه. وأجمع المفسرون على أن قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) [الفرقان ٤٥] :
مجاز. ولجاز أن يقال : نظرته. كما يقال : رأيته. ولما لم يصح ذلك ، علمنا : أن
النظر غير الرؤية.
الحجة الرابعة : يقال : نظرت الى الهلال فلم أره. أثبت : النظر مع عدم
الرؤية.