التي هي الإعدام ، لأن الإلغاء إذا كان يعتمد على الناحية المرضية فينبغي أن نلغي العقوبة رأسا ، على أساس أن العقدة تعفي من المسؤولية وقد تمتد القضية إلى أبعد من ذلك فنقرر إلغاء العقوبات رأسا. لأن أي انحراف في أي جانب من الجوانب لا بد من أن ينشأ من انحراف مرضي في داخل النفس ، من دون فرق بين الجريمة الكبيرة والجريمة الصغيرة ، حتى الحبس لا يعود له مجال في هذا المقام بل لا بد من إدخاله المصح ، كأي مريض آخر. إنها مشكلة التفكير الفردي الذي لا ينظر إلى المشكلة من خلال حجمها الكبير ، بل ينظر إليها من خلال النطاق المحدود الذي تتحرك فيه.
٧ ـ إن الرحمة التي يثيرها الإسلام في مفهومه الروحي والعملي ، لا تعني الانفعال الذي يرتبط بالشفقة ، بل تعني مواجهة الواقع بما يحقق مصلحة الإنسان في المستوى الشامل ، تماما كما هي الحال عند ما يضطر الجرّاح إلى بتر أحد الأعضاء لحماية الحياة للجسد كله ، فإن ذلك يمثل الرحمة للإنسان المريض. إن الرحمة للذين يعيشون الحياة من موقع الرحمة لحركة الحياة ، لا للذين يقضون على الحياة ويطعنونها في الصميم.
إن التشريع لا يتعامل مع العاطفة ، بل يتعامل مع المصلحة العامة للإنسان ، ولهذا جاءت الآية لتقرر الحقيقة الشاملة في قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
ولعل في الإشارة إلى أولي الألباب دعوة إلى العقل لكي يتحرك في داخل ذوي العقول ، ليعرف كيف يحفظ التشريع حياة الناس على أساس من التقوى والإيمان ، بعيدا عن كل عاطفة وانفعال ذاتي.
هذا ما أردنا الإشارة إليه في تفسير هاتين الآيتين ، والله أعلم بحقائق أحكامه وأسرار آياته ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
* * *