هو الذي خلق لكم ما في الأرض
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) في الآية لفتة إلى جانب النعمة التي لا تجعل عظمة الخلق بعيدة عن حياة الإنسان وحاجاته ، وذلك من خلال ما توحيه كلمة (لَكُمْ) من تسخير الأرض للإنسان بكل ما فيها من طاقات ظاهرة أو باطنة ، مما يجعل من توجيهه إليها وإلى التفكير فيها عند التفكير في طبيعة الخلق ، حافزا للارتباط بالله ، من خلال شعوره بحاجته المطلقة إليه ، إلى جانب الشعور بعظمته المبدعة. وقد يكون في هذا الأسلوب القرآني الرائع لفتة قرآنية تعطي قضية الإيمان بالله حيوية نابضة تتفجر بالحياة الإنسانية في كل مظاهرها وحاجاتها ، الأمر الذي يبعدها عن الجفاف والجمود الذي يتمثل في أساليب البحث في العقيدة كشيء تجريدي خارج نطاق الحياة العملية للإنسان.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) فقد أراد الله للإنسان أن يعيش على هذه الأرض ، وهيّأ له الوسائل المتنوعة التي تتصل بحاجاته الخاصة والعامة في أعماق الأرض وسطوحها وآفاق الفضاء المحيط بها ، ليستطيع الإنسان الحياة عليها من خلال قدرته على إدارته لها في تسخير كل طاقاتها له ، وفي تسخير الكون المطلّ عليها والمحيط بها ، لرعاية كل أوضاعه. وهكذا ، يؤكد الله أنه أبدع ما في الأرض لأجل الإنسان ؛ تكريما له ، وتأكيدا لقيمته المميزة لديه من بين مخلوقاته. (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي انتهى إليها ، وقد نستفيد من التعبير ب (ثُمَ) ـ التي تدل على الترتيب مع التراخي ـ تأخر خلق السماء عن الأرض ، ويمكن أن يكون الترتيب ذكريا حقيقيا ، لأن المراد هو التركيز على طبيعة الخلق لا على الأوقات.
(فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) من غير بيان تفصيلي لطبيعة هذه السموات