هل الدين غيب كله؟
لا بد لنا من أن نتوقف في هذا المجال عند نقطة مهمة جدا ، وهي أن الدين عند ما يركّز على الإيمان بالغيب ، فهل يعني هذا أن الدين قائم على الإيمان بالغيب فقط ، وليس هناك إلا الغيب في مضمون الإيمان ، وفي تقويم الأشخاص ، وفي تعليل الأحداث والظواهر الكونية والاجتماعية ، كما يحلو للبعض أن يقولوا أو يعتقدوا أو يفسروا ، فيخضعوا الظواهر الطبيعية كلها أو أكثرها لتفسيرات غيبية ، لا يصل إليها فكر الإنسان ، مما جعل العقل البشري ، في بعض مراحله ، يبحث عن أسباب الظواهر الطبيعية وعللها ، كالصحة والمرض والهزيمة والنصر ، وعن خلفيات المشاكل الاقتصادية أو السياسية ، خارج الواقع العملي للأشياء ، مكتفيا بإرجاع ذلك إلى عوامل غيبية ، أو إلى الله ، من دون أن يبحث عن القوانين الطبيعية التي أودعها الله في الكون ، ليقوم عليها نظامه ونظام الحياة في نطاق مبدأ السببية الطبيعية في الأشياء؟
لقد وقع في هذه الشبهة بعض المؤمنين الساذجين ، فوقفوا موقف المنكر لكثير من نتائج العلم لاصطدامها بالذهنية الغيبية التي لا تألف مثل هذه النتائج ، والبعض منهم تطرّف في موقفه لدرجة تكفير الإنسان الذي يؤمن بوجود قوانين طبيعية تحتكم إليها الظواهر الطبيعية والكونية ، لأنهم يحسبون الفارق بين الإيمان والكفر هو الاعتقاد بغيبية الأسباب في جانب الإيمان ، وبواقعيتها أو ماديتها في جانب الكفر.
وقد نشأت في هذا الجو ـ ولفترات ـ فكرة تركيز الوعظ على الجانب الغيبي في كل مجالات الحياة ، من دون توضيح للقوانين الطبيعية التي أودعها الله في الكون ، مما أدى إلى ربط كل الظواهر الطبيعية بالله بشكل مباشر ،