الدنيا.
(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ)(٤٦)
(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) على النار ، ويدل عليه (الْعَذابَ). (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) متذللين متقاصرين مما يلحقهم من الذل. (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) أي يبتدئ نظرهم إلى النار من تحريك لأجفانهم ضعيف كالمصبور ينظر إلى السيف. (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ) بالتعريض للعذاب المخلد. (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ظرف ل (خَسِرُوا) والقول في الدنيا ، أو لقال أي يقولون إذا رأوهم على تلك الحال. (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) تمام كلامهم أو تصديق من الله لهم.
(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) إلى الهدى أو النجاة.
(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِير(٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ)(٤٨)
(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) لا يرده الله بعد ما حكم به و (مِنْ) صلة ل (مَرَدَّ). وقيل صلة (يَأْتِيَ) أي من قبل أن يأتي يوم من الله لا يمكن رده. (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ) مفر. (يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) إنكار لما اقترفتموه لأنه مدوّن في صحائف أعمالكم تشهد عليه ألسنتكم وجوارحكم.
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) رقيبا أو محاسبا. (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) وقد بلغت. (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها) أراد بالإنسان الجنس لقوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) بليغ الكفران ينسى النعمة رأسا ويذكر البلية ويعظمها ولا يتأمل سببها ، وهذا وإن اختص بالمجرمين جاز إسناده إلى الجنس لغلبتهم واندراجهم فيه. وتصدير الشرطية الأولى ب (إِذا) والثانية ب (إِنْ) لأن إذاقة النعمة محققة من حيث إنها عادة مقتضاة بالذات بخلاف إصابة البلية ، وإقامة علة الجزاء مقامه ووضع الظاهر موضع المضمر في الثانية للدلالة على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة.
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)(٥٠)
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فله أن يقسم النعمة والبلية كيف يشاء. (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من غير لزوم ومجال اعتراض. (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ).
(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) بدل من (يَخْلُقُ) بدل البعض ، والمعنى يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا ويعقم آخرين ، ولعل تقديم الإناث لأنها أكثر لتكثير النسل ، أو لأن مساق الآية للدلالة على أن الواقع ما يتعلق به مشيئة الله لا مشيئة الإنسان والإناث كذلك ، أو لأن الكلام في البلاء والعرب تعدهن بلاء ، أو لتطييب قلوب آبائهن أو للمحافظة على الفواصل ولذلك عرف الذكور ، أو لجبر التأخير وتغيير العاطف في