(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يعذبون بها. وقيل تعرض النار عليهم فقلب مبالغة كقولهم : عرضت الناقة على الحوض. (أَذْهَبْتُمْ) أي يقال لهم أذهبتم ، وهو ناصب اليوم وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالاستفهام غير أن ابن كثير يقرؤه بهمزة ممدودة وهما يقرآن بها وبهمزتين محققتين. (طَيِّباتِكُمْ) لذاتكم. (فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) باستيفائها. (وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) فما بقي لكم منها شيء. (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) الهوان وقد قرئ به. (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) بسبب الاستكبار الباطل والفسوق عن طاعة الله ، وقرئ «تفسقون» بالكسر.
(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ)(٢٣)
(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ) يعني هودا. (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج ، وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشجر من اليمن. (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ) الرسل. (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) قبل هود وبعده والجملة حال أو اعتراض. (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي لا تعبدوا ، أو بأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته. (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) هائل بسبب شرككم.
(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) لتصرفنا. (عَنْ آلِهَتِنا) عن عبادتها. (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب على الشرك. (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في وعدك. (قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) لا علم لي بوقت عذابكم ولا مدخل لي فيه فأستعجل به ، وإنما علمه عند الله فيأتيكم به في وقته المقدر له. (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) إليكم وما على الرسول إلا البلاغ. (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) لا تعلمون أن الرسل بعثوا مبلغين منذرين لا معذبين مقترحين.
(فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)(٢٥)
(فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً) سحابا عرض في أفق السماء. (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) متوجه أوديتهم ، والإضافة فيه لفظية وكذا في قوله : (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) أي يأتينا بالمطر. (بَلْ هُوَ) أي قال هود عليه الصلاة والسلام (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) من العذاب ، وقرئ «قل» «بل» : (رِيحٌ) هي ريح ، ويجوز أن يكون بدل ما. (فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) صفتها وكذا قوله :
(تُدَمِّرُ) تهلك. (كُلَّ شَيْءٍ) من نفوسهم وأموالهم. (بِأَمْرِ رَبِّها) إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته ، وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مرارا ، وقرئ «يدمر كل شيء» من دمر دمارا إذا هلك فيكون العائد محذوفا أو الهاء في (رَبِّها) ، ويحتمل أن يكون استئنافا للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضيا لا يتقدم ولا يتأخر ، وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء فأصبحوا لا ترى إلّا مساكنهم أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي (لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) بالياء المضمومة ورفع المساكن. (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ). روي أن هودا عليهالسلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة ، وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ، ثم كشفت عنهم واحتملتهم فقذفتهم في البحر.