العقلاء. (فِيهِ) في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجا يكون بينهم توالد ، فإنه كالمنبع للبث والتكثير. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه ، والمراد من مثله ذاته كما في قولهم : مثلك لا يفعل كذا ، على قصد المبالغة في نفيه عنه فإنه إذا نفى عمن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى ، ونظيره قول رقيقة بنت صيفي في سقيا عبد المطلب : ألا وفيهم الطّيّب الطاهر لذاته. ومن قال الكاف فيه زائدة لعله عنى أنه يعطى معنى ليس مثله غير أنه آكد لما ذكرناه. وقيل «مثله» صفته أي ليس كصفته صفة. (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لكل ما يسمع ويبصر.
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خزائنها. (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يوسع ويضيق على وفق مشيئته. (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيفعله على ما ينبغي.
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (١٤)
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) أي شرع لكم من الدين دين نوح ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومن بينهما من أرباب الشرائع ، وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله ومحله النصب على البدل من مفعول (شَرَعَ) ، أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به. (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ولا تختلفوا في هذا الأصل أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال. (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً). (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) عظم عليهم. (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من التوحيد. (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ) يجتلب إليه والضمير لما تدعوهم أو للدين. (وَيَهْدِي إِلَيْهِ) بالإشارة والتوفيق. (مَنْ يُنِيبُ) يقبل إليه.
(وَما تَفَرَّقُوا) يعني الأمم السالفة. وقيل أهل الكتاب لقوله : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ). (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) العلم بأن التفرق ضلال متوعد عليه ، أو العلم بمبعث الرسل عليهم الصلاة والسلام ، أو أسباب العلم من الرسل والكتب وغيرهما فلم يلتفتوا إليها. (بَغْياً بَيْنَهُمْ) عداوة أو طلبا للدنيا. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بالإمهال. (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو يوم القيامة أو آخر أعمارهم المقدرة. (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) باستئصال المبطلين حين افترقوا لعظم ما اقترفوا. (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) يعني أهل الكتاب الذين كانوا في عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أو المشركين الذين أورثوا القرآن من بعد أهل الكتاب. وقرئ «ورّثوا» و «وورثوا». (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من كتابهم لا يعلمونه كما هو أو لا يؤمنون به حق الإيمان ، أو من القرآن. (مُرِيبٍ) مقلق أو مدخل في الريبة.
(فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ(١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ)(١٦)
(فَلِذلِكَ) فلأجل ذلك التفرق أو الكتاب ، أو العلم الذي أوتيته. (فَادْعُ) إلى الاتفاق على الملة