(٤٩) سورة الحجرات
مدينة وآيها ثماني عشرة آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا) أي لا تقدموا أمرا ، فحذف المفعول ليذهب الوهم إلى كل ما يمكن ، أو ترك لأن المقصود نفي التقديم رأسا أو لا تتقدموا ومنه مقدمة الجيش لمتقدميهم ، ويؤيده قراءة يعقوب (لا تُقَدِّمُوا). وقرئ «لا تقدموا» من القدوم. (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدي الإنسان تهجينا لما نهوا عنه ، والمعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به. وقيل المراد بين يدي رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وذكر الله تعظيم له وإشعار بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله. (وَاتَّقُوا اللهَ) في التقديم أو مخالفة الحكم. (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم. (عَلِيمٌ) بأفعالكم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)(٣)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) أي إذا كلمتموه فلا تجاوزوا أصواتكم عن صوته. (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) ولا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته محاماة على الترحيب ومراعاة للأدب. وقيل معناه ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعضكم بعضا وخاطبوه بالنبي والرسول ، وتكرير النداء لاستدعاء مزيد الاستبصار والمبالغة في الاتعاظ والدلالة على استقلال المنادى له وزيادة الاهتمام به. (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) كراهة أن تحبط فيكون علة للنهي ، أو لأن تحبط على أن النهي عن الفعل المعلل باعتبار التأدية لأن في الجهر والرفع استخفافا قد يؤدي إلى الكفر المحبط ، وذلك إذ انضم إليه قصد الإهانة وعدم المبالاة. وقد روي : أن ثابت بن قيس كان في أذنه وقر وكان جهوريا ، فلما نزلت تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتفقده ودعاه فقال : يا رسول الله لقد أنزلت إليك هذه الآية وإني رجل جهير الصوت فأخاف أن يكون عملي قد حبط ، فقال عليه الصلاة والسلام : «لست هناك إنك تعيش بخير وتموت بخير وإنك من أهل الجنة». (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أنها محبطة.
(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ) يخفضونها. (عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) مراعاة للأدب أو مخافة عن مخالفة النهي. قيل كان أبو بكر وعمر بعد ذلك يسرانه حتى يستفهمهما. (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) جربها للتقوى ومرنها عليها ، أو عرفها كائنة للتقوى خالصة لها ، فإن الامتحان سبب المعرفة واللام صلة محذوف أو للفعل باعتبار الأصل ، أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى ، فإنها لا تظهر إلا بالاصطبار عليها ، أو أخلصها للتقوى من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبريزه من خبثه. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم. (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) لغضهم وسائر طاعاتهم ، والتنكير للتعظيم والجملة خبر ثان لإن ، أو استئناف لبيان