للإشعار بأنهم لاستعظامهم الذنوب يحسبون أنهم مقصرون مذنبون وأن ما يفرط منهم من الصغائر أسوأ ذنوبهم ، ويجوز أن يكون بمعنى السيئ كقولهم : الناقص والأشج أعدلا بني مروان ، وقرئ «أسواء» جمع سوء. (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ) ويعطيهم ثوابهم. (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) فيعد لهم محاسن أعمالهم بأحسنها في زيادة الأجر وعظمه لفرط إخلاصهم فيها.
(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ)(٣٧)
(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) استفهام إنكار للنفي مبالغة في الإثبات ، والعبد رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ويحتمل الجنس ويؤيده قراءة حمزة والكسائي «عباده» ، وفسر بالأنبياء صلوات الله عليهم. (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يعني قريشا فإنهم قالوا له إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا بعيبك إياها. وقيل إنه بعث خالدا ليكسر العزى فقال له سادنها أحذّركها فإن لها شدة ، فعمد إليها خالد فهشم أنفها فنزل تخويف خالد منزلة تخويفه لأنه الآمر له بما خوف عليه. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) حتى غفل عن كفاية الله له وخوفه بما لا ينفع ولا يضر. (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يهديهم إلى الرشاد.
(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) إذ لا راد لفعله كما قال : (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ) غالب منيع. (ذِي انْتِقامٍ) ينتقم من أعدائه.
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)(٣٨)
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) لوضوح البرهان على تفرده بالخالقية. (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ) أي أرأيتم بعد ما تحققتم أن خالق العالم هو الله تعالى وأن آلهتكم إن أراد الله أن يصيبني بضر هل يكشفنه. (أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ) بنفع. (هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) فيمسكنها عني ، وقرأ أبو عمرو (كاشِفاتُ ضُرِّهِ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) بالتنوين فيهما ونصب ضره ورحمته. (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) كافيا في إصابة الخير ودفع الضر إذ تقرر بهذا التقرير أنه القادر الذي لا مانع لما يريده من خير أو شر. روي أن النبي عليه الصلاة والسلام سألهم فسكتوا فنزل ذلك ، وإنما قال (اشِفاتُ) و (مُمْسِكاتُ) على ما يصفونها به من الأنوثة تنبيها على كمال ضعفها. (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) لعلمهم بأن الكل منه تعالى.
(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠) إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)(٤١)
(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) على حالكم ، اسم للمكان استعير للحال كما استعير هنا وحيث من المكان للزمان ، وقرئ «مكاناتكم». (إِنِّي عامِلٌ) أي على مكانتي فحذف للاختصار والمبالغة في الوعيد ، والإشعار بأن حاله لا يقف فإنه تعالى يزيده على مر الأيام قوة ونصرة ولذلك توعدهم بكونه منصورا عليهم في الدارين فقال : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).