(٤٠) سورة المؤمن
مكية وآيها خمس وثمانون
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣)
(حم) أماله ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر صريحا ، ونافع برواية ورش وأبو عمرو بين بين ، وقرئ بفتح الميم على التحريك لالتقاء الساكنين ، أو النصب بإضمار اقرأ ومنع صرفه للتعريف والتأنيث ، أو لأنها على زنة أعجمي كقابيل وهابيل.
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) لعل تخصيص الوصفين لما في القرآن من الإعجاز والحكم الدال على القدرة الكاملة والحكمة البالغة.
(غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) صفات أخرى لتحقيق ما فيه من الترغيب والترهيب والحث على ما هو المقصود منه ، والإضافة فيها حقيقة على أنه لم يرد بها زمان مخصوص ، وأريد ب (شَدِيدِ الْعِقابِ) مشددة أو الشديد عقابه فحذف اللام للازدواج وأمن الالتباس ، أو إبدال وجعله وحده بدلا مشوش للنظم وتوسيط الواو بين الأولين لإفادة الجمع بين محو الذنوب وقبول التوبة ، أو تغاير الوصفين إذ ربما يتوهم الاتحاد ، أو تغاير موقع الفعلين لأن الغفر هو الستر فيكون لذنب باق وذلك لمن لم يتب فإن «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». والتوب مصدر كالتوبة وقيل جمعها والطول الفضل بترك العقاب المستحق ، وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات الرحمة دليل رجحانها. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فيجب الإقبال الكلي على عبادته. (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) فيجازي المطيع والعاصي.
(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ)(٤)
(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) لما حقق أمر التنزيل سجل بالكفر على المجادلين فيه بالطعن وإدحاض الحق لقوله : (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) وأما الجدال فيه لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به وقطع مطاعنهم فيه فمن أعظم الطاعات ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام «إن جدالا في القرآن كفر» بالتنكير مع أنه ليس جدالا فيه على الحقيقة. (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم وتقلبهم في بلاد الشأم واليمن بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم كما قال :
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ)(٦).