ومصالح العباد.
أمّا المكر الإلهيّ فهو إمّا أن يكون ابتدائياً ، وهذا ما لا يليق بساحته المقدّسة ، وفي نسبة ذلك إلى الله سبحانه نفيُ الاختيار عن الإنسان ، وهذا من موجبات قبح العقاب من جانب ، وعدم استحقاق الثواب من جانبٍ آخر ، ولقد استفاضت الروايات عن أئمّة الهدى عليهم السلام أن : لا جبرَ ولا تفويض ، ولكن أمرٌ بين أمرين (١).
إنّ الإنسان قادر على خلق أفعاله باختياره لكي يستحقّ الثواب على الفعل الحسن ، وينال العقاب على الفعل القبيح ، ولكن ليس للإنسان الاستقلاليّة عن الله سبحانه وعن نفوذ إرادته ومشيئته ، وأمّا أن يكون المكر الإلهي مكرَ مجازاة ومقابلة فهذا لا ينافي ساحة قداسته ولا ينسب القبح والنقص والمنكر إليه.
قال تعالى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (٢).
وقال سبحانه : (كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) (٣).
والإمهال الإلهيّ قد يكون بسلب التوفيق ، ومنع المعونة ، وترك الإنسان ليكون فريسة لأهوائه والزخارف الدنيا والشيطان ، وقد يكون بالإمداد (٤) المؤدّي إلى الطغيان والاستبدااد والتكبّر والاستعلاء بغير حقّ.
قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : من وُسِّع عليه دنياه ولم يَعلَم أنّه مُكِر به ، فهو مخدوع عن عقله (٥). وعن ابن فضّال قال : سألت الرضا عليه السلام عن قوله سبحانه :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الكافي ١ : ١٦٠ / ح ١٣ ، الاعتقادات للصدوق : ٢٩.
٢ ـ البقرة : ٢٦.
٣ ـ غافر : ٣٤.
٤ ـ المراد بالإمدااد هنا هو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : (اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [البقرة : ١٥٠].
٥ ـ مفردات غريب القرآن للراغب الأصفهانيّ : ٦١.