والحاصل لمّا كان المتبادر في ذهن الراوي وأمثاله من الإرادة ، هو المعنى المعروف من الهم ّو التفكّر والعزم وكان جعل الإرادة من صفات الذات ـ في ذهن الراوي ـ مستلزماً لكون إرادته سبحانه مثل الإرادات الامكانية ، رأى الإمام أن يعلّمه أحد القسمين من إرادته وهو الإرادة الفعلية كالعلم الفعلي ، وأضرب عن القسم الآخر ، ويعرب عن ذلك قوله في الروايات الثلاث الأخيرة ، حيث قال :
« إنّما تكون الأشياء بإرادته ومشيئته ، من غير كلام ولا تردّد في نفس ».
وهذا يعرب من انّ الإمام بصدد صيانة الراوي عن الوقوع في الخطأ في تفسير الرواية ، ولم يكن بصدد تفسير الإرادة بجميع مراتبها وأقسامها ، فلو كان هناك للإرادة قسما آخر يناسب ذاته سبحانه كما أوضحناه لما كانت هذه الروايات نافية لها.
هناك وجه آخر لجعل الإرادة من صفات الفعل وهو انّ الإرادة في الإنسان لا ينفك عن المراد ، فلو جعلت الإرادة فيه سبحانه من صفات الذات ربّما يستنتج الراوي منه قدم العالم ، فلأجل صيانة ذهن الراوي عن الخطأ فسّرت الإرادة بالأحداث والايجاد ، ويشهد على ذلك الوجه بعض الروايات :
١ ـ روى الصدوق في توحيده عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « المشيئة محدثة » (١).
٢ ـ روى الصدوق عن عاصم بن حميد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قلت له لم يزل الله مريداً » ؟! فقال : « إنّ المريد لا يكون إلاّ المراد معه بل لم يزل عالماً قادراً ثم أراد » (٢).
٣ ـ روى الصدوق عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : قال الرضا عليهالسلام : « المشيئة والإرادة من صفات الأفعال فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد » (٣).
__________________
(١) و (٢) و (٣) التوحيد للصدوق ص ٣٣٨ ـ ١٤٦ ـ ٣٣٦.