وهذه المسألة في مقابل كلمات المعتزلة ومن حذى حذوهم من القائلين بأنّ الله تعالى أوجد العباد وأقدرهم على تلك الأفعال ، وفوّض إليهم الاُمور وهم مستقلّون بإيجاد تلك الأفعال على وفق مشيئتهم بحيث لا يمتّ فعل إنسان إليه سبحانه بصلة بنحو من الأنحاء.
ولا يخفى أنّ هذا الكلام وإن كان وجيهاً عند القائلين بالاختيار ولكنّه يستلزم الشرك في الفاعليّة وهو مستلزم لاثبات الشريك لله في الحقيقة.
ومن جعل أبناء البشر كلّهم خالقين لأفعالهم مستقلّين في ايجادها ، أتى بما هو أشنع ممّن ذهب إلى جعل الأصنام والأوثان والكواكب شفعاء عند الله لأنّه جعل لله شركاء بعدد الفاعلين.
هذا وبما أنّنا قد استوفينا الكلام في هذه المسألة في مسفوراتنا الكلامية (١) ، فإنّنا نقتصر على ما ذكرناه هنا.
فتلخص : إنّ لسعة القدرة اصطلاحين :
الأوّل يناسب الأبحاث الكلامية ، والثاني يناسب الأبحاث الفلسفية ، والمخالف في القسم الثاني هم المعتزلة ، والخلاف ينبع من الاعتقاد بالعدل في الله سبحانه ، ومن التصوّر بأنّ نسبة أفعال العباد إلى الله سبحانه تخالف عدله.
بينما لا تنبع المسألة الاُولى من موقف كلامي معيّن وإن كان المخالف فيها بعض المعتزلة لكن الخلاف لا ينبع عن اُصول الاعتزال بخلاف الثانية ، وإن كان بين المسألة صلة وارتباط.
__________________
(١) الالهيات : ج ١ ، ص ١٣٩ ـ ١٥٠.