بالصور العلميّة المرتسمة القائمة بذاته سبحانه ، وقد عرفت أنّ علمه بالجزئيات علمه حضوري ، وأنّ الأشياء بهوياتها الخارجيّة ، وحقائقها العينيّة « فعله » سبحانه وفي الوقت نفسه « علمه » فلا مانع من القول بطروء التغيّر في علمه سبحانه أثر طروء التغيّر في الموجودات العينيّة.
فإنّ التغيّر الممتنع على علمه إنّما هو على علمه الذاتي لا على علمه الفعلي ، لأنّ طروء التغيّر في العلم الذاتي يستلزم طروء الحدوث في ذاته سبحانه وهو لا يجتمع في وجوب وجوده بخلاف العلم الفعلي فإنّ العلم في مقام الفعل عبارة عن كون نفس الفعل « علمه » كما أنّ الصور الذهنيّة مع كونها فعلاً للنفس ، علم لها.
وبذلك يظهر ضعف اشكال آخر هو : إنّ ادراك الجزئيات إنّما يحتاج إلى آلة جسمانيّة وهو سبحانه منزّه عن ذلك لكونه منزّهاً عن الجسمانيّة.
فقد ظهر من البيان الحاضر أنّ هذا الاشكال ناشئ من الاعتقاد بأنّ علمه تعالى علم حصولي ، حاصل له تعالى عن طريق أعمال الآلات والأدوات الجسمانيّة للأبصار والإدراك مع أنّ علمه تعالى نفس فعله لا الصور المنتزعة عن فعله.
وربّما يستفاد هذا الجواب ممّا ذكره المحقّق القوشجي في شرحه المذكور إذ قال :
إنّ ادراك المتشكلات إنّما يحتاج إلى آلة جسمانيّة إذا كان العلم حصول الصورة ، وأمّا إذا كان اضافة محضة أو صفة حقيقيّة ذات اضافة بدون الصورة فلا حاجة إليها (١).
__________________
(١) شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي : ص ٣١٤.