المصائب المحزنة
آثار تربويّة مهمّة في حياة البشر ، ولأجل ذلك وقعت في حيّز الخلق وذلك من باب
تقديم الخير الكثير على الشرّ الكثير ، وإليك بيان تلك الآثارالتربويّة.
١ ـ المصائب وسيلة لتفجير القابليات
يحطّ الإنسان قدمه على هذه الأرض وهو
يحمل في كيانه جملة كبيرة من القابليات والمواهب التي تبقى في مرحلة القوى وفي
صورة الطاقات المعطّلة المخزونة ، إلاّ أن تتوجّه إليها صدمة قويّة تحرك القابليات
، وتفجّر المواهب ، وتظهر المعادن ، وتصقل الجواهر.
وبعبارة واضحة : إذا لم يتعرّض الإنسان
للمشاكل في حياته فإنّ قابليّاته ومواهبه المكنونة بين جوانحه ستبقى جامدة هامدة
لا تنمو ولا تنفتح ، بل تبقى في مرحلة القوّة والذخيرة المهملة ، فإذا تعرّض
الإنسان للمشاكل والمحن تفتّقت فيه تلك القابليات ، ونمت تلك المواهب ، وانتقلت
الطاقات الكامنة من مرحلة القوّة إلى مرحلة الفعلية ، وتفتّح فكره ، وتكامل عقله.
ولا يعني هذا أن يعمد الإنسان بنفسه إلى
خلق المشاكل ، وإثارة الشدائد والمصائب وجرّها إلى نفسه ابتداءً ، بل يعني أن
يستقبلها الإنسان ـ إذا جاءت ـ برحابة صدر ، ويستفيد منها في تفجير قابلياته ، وتنمية
مواهبه ، وإذكاء عقله ، وتقوية روحه ، لا أن يستسلم أمام عواصفها ، أو ينهزم أو
ينهار ، فلا يحصد إلاّ الخسران ، ولا يقطف إلاّ ثمرة السقوط المرّة.
إنّ البلايا والمصائب والمحن خير وسيلة ـ
لو أحسن المرء استغلالها واستخدامها ـ لتفجير الطاقات ، بل تقدّم العلوم ، ورقيّ
الحياة البشريّة.
فهاهم علماء الحضارة يصرّحون بأنّ أكثر
الحضارات لم تتفتّق ولم تزدهر إلاّ
__________________