هذا هو المدّعى وأمّا الدليل عليه فهو انّ الامكان قد يقع وصفاً للماهيّة ، وقد يقع وصفاً للوجود فعندما يقع وصفاً للماهيّة يكون معناه مساواة نسبة الوجود والعدم إليها ، فلو وجد فمن جانب وجود علّته ، وإن اتّصف بالعدم فمن جانب عدم علّته وعندما يقع وصفاً للوجود ، فليس هو بمعنى مساواة الوجود والعدم إلى الوجود ، ضرورة إنّه إذا كان الموضوع هو الوجود ، لا معنى لمساواة الوجود والعدم إليه ، بل المراد من اتّصاف الوجود بالإمكان هو تعلّقه بعلّته وقيامه وتدلّيه بها تعلّقاً وتدلّيا وقياماً داخلاً في حقيقة وجوده بحيث لا حقيقة له إلاّ هذا.
وبعبارة اُخرى إنّ الوجود الإمكاني أمّا أن يكون مستقلاً في ذاته أو يكون متعلّقاً بالغير كذلك ، لا سبيل إلى الأوّل ، لأنّ الاستقلال مناط الغنى عن العلّة ومثله يمتنع أن يكون معلولاً بل ويمتنع أن يتّصف بالإمكان ، فتعيّن الثاني أي ما يكون متعلّقا بالغير بذاته ، وما هو كذلك يمتنع عليه العزلة عمّا يتعلّق به ، لانّ المفروض إنّه لا حقيقة له إلاّ التعلّق بالغير فيجب أن يكون معه ، معيّة المتدلّي بالمتدلّى به ، ومعيّة المعنى الحرفي مع المعنى الاسمي ، فالعوالم الامكانيّة بعامّة مراتبها من جبروتها إلى ملكوتها إلى ملكها حاضرة عنده سبحانه ، غير غائبة عنه ، لا كحضور المبصرات الخارجية لدى الإنسان ، بل كحضور الصور الذهنية لدى النفس المبدعة الخالقة لها ، بل أشدّ من ذلك.
ولعلّه إلى ما ذكرنا يشير قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الحَمِيدُ ) ( فاطر / ١٥ ).
ومثل هذا كيف يتصوّر له العزلة والبينونة فان فرضهما فرض بطلانه.
هذا البرهان الذي أجملنا الكلام في بيانه يكشف الستر عن حقيقة المعيّة أي معيّة الممكن مع الواجب ، ويفسر الاحاطة الوجوديّة له ، وإنّه ليس المراد حلول الواجب في جوف الممكن ونفوذه في ذرّاته ، كنفوذ الماء بين ذرّات الطين ، بل المراد أنّ مقتضي قيوميّته المطلقة قيام العوالم الممكنة به وحضورها لديه ، وبما أنّ