وزعمت المعتزلة والحروريّة والجهميّة
أنّ الله عزّ وجلّ في كلّّ مكان فلزمهم انّه في بطن مريم وفي الحشوش والاخلية وهذا
خلاف الذين تعالى الله عن قولهم « علوّا كبيرا » .
عزب عن امام الحنابلة ومن تبع مذهبه انّ
الاستدلال متفرّع على تفسير العرش بأنّه مخلوق كهيئة السرير له قوائم وهو موضوع
على السماء السابعة مستوٍ عليه كاستواء الملوك على عروشهم ، فعند ذلك يتوجّه إليهم
السؤال بأنّه لو كان المراد من « استوى » هو الاستيلاء ـ لا الإستقرار ـ فلماذا
خصّ الاستيلاء به مع أنّه مستو على الأشياء كلّّها ؟ وأمّا إذا قلنا بأنّ العرش
كناية عن صفحة الوجود وعالم الكون فاستيلائه عليه كناية عن استيلائه على عالم
الخلق ، فيسقط السؤال بأنّه لماذا خصّ الاستيلاء بعرشه دون غيره إذ ليس هنا شيء
وراء صفحة الوجود ، واللغة العربيّة مليئة بالمجاز والكناية ، ولا يلزم في صدق
الكناية وجود المعنى المكنىّ به : من سرير واستقرار المستوى عليه ، بل يطلق وإن لم
تكن هناك تلك المظاهر ، قال الشاعر :
قد استوى بشر على العراق
|
|
من غير سيف ودم مهراق
|
والذي يعرب عن ذلك أي انّ المراد
استيلائه على عرش التدبير ، إنّ الذكر الحكيم لا يذكر استوائه على العرش إلاّ ويذكر
فعلاً من أفعاله أو وصفاً من أوصافه ، أمّا قبله أو بعده مثل قوله :
(
خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى
الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا
) ( الأعراف /
٥٤ ).
وقوله : (
خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى
الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ
) ( يونس / ٣
).
وقوله : (
اللهُ
الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ
عَلَى الْعَرْشِ وَ
__________________