ولو اقتصر الإنسان في إقامة العبوديّة بالقيام والقعود من دون ادراك للمعبود بصفات الجمال والجلال ولما هناك من أسماء وصفات ; لكانت عبوديّته كعبوديّة الحيوان والنبات والجماد ، فهؤلاء أيضا يقومون بواجبهم الجسماني بل ربّما تكون عبوديته أنزل من عبوديتهم كيف وقد قال سبحانه :
( وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ( البقرة / ٧٤ ).
فالحجر يستشعر بعظمته سبحانه حسب مقدرته ، ولكن الإنسان تفرض عليه تلاوة كتابه سبحانه والسكوت ثم السكوت عليه ؟
إنّ الدعوة السلفية التي عادت إلى الساحة الاسلامية من جديد مبنية على هذا الأساس ، وهؤلاء وإن كانوا لا يقرّون بالتشبيه والتجسيم بملئ أفواههم وألسنتهم ، ولكنّهم لا يفترقون عن المشبهة إلاّ في التصريح والتلميح.
قال ابن خزيمة : إنما نثبت لله ما اثبته لنفسه نقر بذلك بألسنتنا ونصدّق بذلك في قلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين (١).
قال ابن قدامة المقدسي : « وعلى هذا درج السلف والخلف فهم متّفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنّة رسوله من غير تعرّض لتأويله (٢).
قال ابن تيمية ـ مثيرالدعوة السفلية بعد اندراسها ـ : إنّ لله يدين مختصّتين به ، ذاتيتين له كما يليق بجماله ، وإنّه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة وإبليس وإنّه سبحانه يقبض الأرض ويطوي السماء بيده اليمنى (٣).
يقول الخطّابي : « وليس اليد عندنا الجارحة وإنّما هي صفة جاء بها التوقيف
__________________
(١) علاقة الاثبات والتفويض ص ٥٨.
(٢) و (٣) نفس المصدر ص ٥٩.