المحسوسات على سبيل قبول أمثلتها والانفعال منها ، وليس هذا أيضا مما يصح هناك على ما يرى. ثم إن اجتهد فجعل النفس كمالا أول لما هو متحرك بالإرادة ومدرك (١) من الأجسام حتى تدخل فيه الحيوانات والنفس الفلكية ، خرج النبات من تلك الجملة. وهذا هو القول المحصل. وأما أمر الحياة والنفس فحل (٢) الشك فى ذلك على ما نقول : إنه قد صح أن الأجسام يجب أن يكون فيها مبدأ للأحوال المعلومة المنسوبة إلى الحياة بالفعل. فإن سمى مسم هذا المبدأ حياة لم تكن معه مناقشة ، وأما المفهوم (٣) عند الجمهور من لفظة الحياة المقولة على الحيوان فهو أمران : أحدهما كون النوع موجودا فيه مبدأ تصدر تلك الأحوال عنه ، أو كون الجسم بحيث يصح صدور تلك الأفعال عنه. فأما الأول فمعلوم أنه ليس معنى النفس بوجه من الوجوه. وأما الثاني فيدل على معنى أيضا غير معنى النفس. وذلك لأن كون الشىء بحيث يصح أن يصدر عنه شىء أو يوصف بصفة يكون على وجهين : أحدهما أن (٤) يكون الوجود (٥) شيئا (٦) غير ذلك الكون نفسه يصدر عنه ما يصدر مثل كون السفينة ، (٧) بحيث تصدر عنه المنافع السفينية. وذلك مما يحتاج إلى الربان حتى يكون هذا الكون ، والربان وهذا الكون ليس (٨) شيئا واحدا بالموضوع. والثاني أن لا يكون شىء غير هذا الكون فى الموضوع مثل كون الجسم بحيث يصدر عنه الإحراق عند من يجعل نفس هذا الكون الحرارة ، حتى يكون وجود الحرارة فى الجسم هو وجود هذا الكون ، وكذلك وجود النفس وجود هذا الكون على ظاهر الأمر.
إلا أن ذلك فى النفس لا يستقيم ، فليس المفهوم من هذا الكون ومن النفس شيئا واحدا ، وكيف لا يكون كذلك والمفهوم من الكون الموصوف لا يمنع أن يسبقه بالذات كمال ومبدأ ، ثم للجسم هذا الكون. والمفهوم من الكمال الأول الذي رسمناه (٩) يمنع أن يسبقه بالذات كمال آخر ، لأن الكمال الأول ليس له مبدأ وكمال
__________________
(١) ومدرك : ويدرك م.
(٢) فحل : محل د ؛ نحل م.
(٣) وأما المفهوم : والمفهوم د.
(٤) يصدر ... أن : ساقطة من م.
(٥) الوجود : الموجود م.
(٦) يكون الوجود شيئا : يكون فى الوجود شىء فى
(٧) السفينية : السفينة ك.
(٨) وهذا الكون ليس : ليس وهذا الكون م.
(٩) رسمناه : سميناه م.