«فسواها» * سماء عادلة الأطراف ، متساوية الجوانب والأكناف ، دون اختلاف بين أجزائها لأنها كانت كلها الغازات الأولية على حراراتها وظلماتها وإشراقاتها ، فتلك ليلها وهذه ضحاها ، إذ لم تخلق بعد شمسها المضحية وشموسها المشرقة وكراتها المستنيرة أحيانا والمظلمة أخرى.
(وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها) :
أصل الغطش من الأغطش وهو الذي في عينه شبه عمش ، والتغاطش هو التعامي عن الشيء ، فإغطاش ليل السماء هو جعله مظلما ، وعلّه يرمز إلى أن الدخان السماوي كان نيرا لما خلق من تفجر المادة الأولية «الماء» * فلما تصاعد دخانا أظلم : أن أحاطت الظلمة جوانبها المجاورة للفضاء ، والنور والضياء باطن في بطنها ، ثم الله أخرج ضحاها إذ نشر الدخان في الفضاء وقلبّه ظهر بطن فأصبح ليلا وضحى ، نورا وظلاما ف (أَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها).
كل ذلك تؤيده السنة المهتدية بالكتاب وعلى حد تفسير باقر العلوم عليه السّلام (١) كما ترى تفاصيلها في البحث الفصل عن خلق السماوات والأرض عند مواضعها الأنسب.
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٥٠١ في روضته الكافي بالإسناد عن محمد بن عطية عن أبي جعفر (ع) أنه قال لرجل من أهل الشام : وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ولم يزل الله إذا ومعه شيء وليس هو يتقدمه ، ولكنه كان إذ لا شيء غيره وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه فجعل نسب كل شيء إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه. وخلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة ثم طواها فوضعها فوق الماء ، ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء أن يثور ، فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا ثقب وذلك قوله : والسماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ، قال : ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ثم طواها فوضعها فوق الأرض ثم نسب الخلقتين فرفع السماء قبل دحو الأرض فذلك قوله عز ذكره : والأرض بعد ذلك دحاها ، يقول بسطها.