(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) :
ليس الجواب إلا أن الاستثناء هنا من الإقراء ، وإذا كان من (فَلا تَنْسى) فلما يأتي :
١ ـ إن الاستثناء بالمشيئة هنا قد يكون كما في شعيب عليه السّلام : «قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين. قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا إن يشاء الله ربنا ..» (٧ : ٨٩) ، فهل بالإمكان ـ واقعيا أم عقليا ـ أن يشاء الله عود رسوله والمؤمنين في ملة الشرك ، فليمكن ـ إذن ـ أن يشاء نسيان محمد قرآنه العظيم!
٢ ـ وقد يكون الاستثناء هنا لكي يعلن ربّنا أنه ليس مسيّرا في استبقاء وحي القرآن في قلب الرسول ، وألّا ينسى ، وكما في القرآن كله : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) (١٧ : ٨٦) وكما ترك الوحي عليه ردما من الأيام لحد ظن صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه تعالى ودّعه أو قلاه ، حتى نفاه تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى). كل ذلك لكي يعلم النبي ونعلم معه ، أنه لا يستقل في وحي القرآن.
ومهما يكن من شيء فلا دلالة هنا على ما يهواه المبشرون من أن محمد نسي من القرآن وهذا يتنافى وعصمته في البلاغ (١).
__________________
(١) من هؤلاء الأستاذ الحداد اللبناني ، إذ يقول فيما يقول : الظاهرة الأولى نسيان النبي بعض ما يوحى إليه «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى» فالاستثناء «إِلَّا ما شاءَ اللهُ» يفيد بأن الله قد يشاء أن ينسي النبي بعض ما يوحى إليه ، فهل يصح أن يوحي الله شيئا ثم يأمر بنسيانه ، هل كان النسيان مقصودا؟ آية التبديل (نحل ١٠١) وآية المحو (رعد ٤١) توحيان بأن النسيان قد يكون مقصودا من الله ومن النبي ، فكيف تنسجم العصمة في البلاغ والتبليغ مع مبدإ النسيان وواقعه» (من كتابه الكتاب والقرآن) وقد أجبنا عنه في كتابنا «المقارنات» (ص ١٩٤ ـ ٢٠٥) وسوف نبحت عن آيتي التبديل والمحو في محالها.