إذا فالسورة مصطلحة في القرآن لمجموعات ثلاث : القرآن كله ، المجموعات المفصولة بالبسملات ، المجموعات غيرهما وهي الآيات المرتبطات ببعضها البعض في عناية خاصة.
ولأن أقل سورة مفصولة بالبسملة هي آيات أربع كالكوثر ، فهي أقل المتحدى به في (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) ـ أو ـ مثله» ثم كل آية مستقلة المعني هي من المتحدى بها لكونها آية وعلامة لربانية صدورها ومصدرها.
والقرآن يتحدى بسورة ، وهي أية مجموعة منه ومنها نفسه كله ، أم عشر مجموعات مفصولات بالبسملات وسواها ، أم مجموعة واحدة أقلها آيتان ، بل وآية واحدة لمكان كونها آية ، ما تعني معنى مستقلا كالبسملة وما أشبه.
(بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)(٣٩).
إنهم يصدقون صامدين ما ليس لهم به من سلطان ، ثم لا يصدقون ما يصدقه كل سلطان ، (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٧ : ٥٣).
إنهم (لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) أنه من علم الله ، إذ لم يتدبروا فيه حقه حتى يعرفوا معناه ومغزاه ، ثم (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) مأخذا ومرجعا ، فقد كذبوا جهلا بما يكذبون ، وليس للجاهل تكذيب ما يجهله ولا تصديقه ، وكان عليهم أن يصدقوه لو كانوا يتدبرون وأحاطوا بعلمه فيعرفوا أنه ليس من عند غير الله : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٤ : ٨٢) ولو كان أتاهم تأويله مأخذا قضية صالح التدبر فيه ، لكانوا يصدقون ، وحين يأتي تأويله مرجعا منذ يوم الموت وإلى القيامة الكبرى فلات حين مناص وقد فات يوم خلاص و (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ)