مهما كانوا ذاكرين في حقل الدعوة.
فهم ـ إذا ـ كانوا بين غفلة ولا غفلة ، غفلة تصغيرا لأنفسهم وتعظيما لله تناسيا لتلك العبادات الشركية ، ولا غفلة اعتبارا بصدهم في دعاياتهم الرسالية عن الإشراك بالله.
ذلك ، ومن واجهة أخرى قد يسمح للمشركين أن ينكروا إشراكهم حتى يكذبهم الله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٦ : ٢٤) فحين يضل عنهم ما كانوا يفترون بما زيل الله بينهم وبين ما كانوا يعبدون ، يستجرون أنفسهم هناك إلى الدنيا مدعين أننا كنا على حالتنا الحالية من ذي قبل ، فقد كانوا يشهدون يوم الدنيا لشركائهم ثم في الأخرى ينكرونهم : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٤١ : ٤٨).
وحين يدّعون أن شركائهم هم الذين سيّروهم إلى الإشراك بهم يكذّبون : (يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ. قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً. فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً) (٢٥ : ١٩).
فالإضلال المنفي هو الحمل على الضلال تسييرا ، فلا ينافي واقع الإغواء تخييرا : (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ. وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) (٢٨ : ٦٤).
فقد يتواتر على المشركين تكذيبهم في نكران إشراكهم وذلك عذاب فوق العذاب.
(هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ