ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد ، أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه ، أم نهاهم عنه فعصوه ، أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ، أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ، أم أنزل الله سبحانه دينا تاما فقصّر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تبليغه وأداءه ، والله سبحانه يقول : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) ، وقال : فيه تبيان كل شيء ، وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا إختلاف فيه ، فقال سبحانه : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظلمات إلّا به» (الخطبة ١٨).
«أيها الناس المجتمعة أبدانهم ، المختلفة أهواءهم ، كلامكم يوهي الصم الصّلاب ، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء .. ما عزت دعوة من دعاكم ، ولا استراح قلب من قاساكم ، أغاليل بأضاليل ، دفاع ذي الدين المطول ، لا يمنع الضّيم الذليل ، ولا يدرك الحق إلّا بالجد ... المغرور والله من غرّرتموه ، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب ، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل ..» (الخطبة ٢٩).
«فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأملاء مجتمعة ، والأهواء مؤتلفة ، والقلوب معتدلة ، والأيدي مترادفة ، والسيوف متناصرة ، والبصائر نافذة ، والعزائم واحدة ، ألم يكونوا أربابا في أقطار الأرضين ، وملوكا على رقاب العالمين ، فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم حين وقعت الفرقة ، وتشتّت الألفة ، واختلفت الكلمة والأفئدة ، وتشعّبوا مختلفين وتفرقوا متحازبين ..» «فإن الله سبحانه قد أمتن على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلها ، ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ، لأنها أرجح من كل ثمن ، وأجل من كل خطر» (١٩٠).
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي