في عذاب قد اشتد حره ، وباب قد أطبق على أهله في نار لها كلب ولجب ، ولهب ساطع ، وقصيف هائل ، لا يظعن مقيمها ، ولا يفادى أسيرها ، ولا تفصم كبولها ، (١٠٧) ـ
«فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها ـ الجنة ـ لعزفت نفسك عن بدائع ما أخرج إلى الدنيا من شهواتها ولذاتها ، وزخارف مناظرها ، ولذهلت بالفكر في اصطفاق أشجار غيّبت عروقها ، في كثبان المسك على سواحل أنهارها ، وفي تعليق كبائس اللؤلؤ الرطب في عساليجها ـ عضونها ـ وأفنانها ، وطلوع تلك الثمار مختلفة في غلف أكمامها ، تجنى من غير تكلف فتأتي على منية مجتنيها ، ويطاف على نزّالها في أفنية قصورها بالأعسال المصفقة ، والخمور المروّقة ، قوم لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتى حلّوا دار القرار ، وأمنوا نقلة الأسفار ـ
فلو شغلت قلبك أيها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك من تلك المناظر المونقة. لزهقت نفسك شوقا إليها ولتحملت من مجلس هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالا بها جعلنا الله وإياكم ممن يسعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته» (١٦٣).
فأين ذلك الموقف المرهف من موقف النار المرجف؟ :
«في موقف ظنك المقام ، وأمور مشتبهة عظام ، ونار شديدة كلبها ، عال لجبها ، ساطع لهبها ، متغيّظ زفيرها ، متأجج سعيرها ، بعيد خمودها ، ذاك وقودها ، مخوف وعيدها ، عم قرارها ، مظلمة أقطارها ، حامية قدورها ، فظيعة أمورها (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) قد أمن العذاب ، وانقطع العتاب ، وزحزحوا عن النار ، واطمأنت بهم الدار ، ورضوا المثوى والقرار ، الذين كانت أعمالهم في الدنيا زاكية ، وأعينهم باكية ، وكان ليلهم في دنياهم نهارا ، تخشعا واستغفارا ، وكان نهارهم ليلا ، توحشا وانقطاعا ، فجعل الله لهم الجنة مآبا ، والجزاء ثوابا ، وكانوا أحق بها وأهلها ، في ملك دائم ، ونعيم قائم» (١٨٨).
«فمن أقرب إلى الجنة من عاملها ، ومن أقرب إلى النار من عاملها ،