تقبلا ، تنازلا عن «غير هذا».
ولو أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) تقبل ذلك أو حاول أن يفعل لكان فيه تكذيب لنفسه فيما تلى عليهم من آيات التحدي والآيات التي تدل على خلود القرآن : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)(٦ : ١١٥).
ذلك ، ولكنها ليست لعبة لاعب ولغبة لاغب أو مهارة شاعر في مباريات الشعر وسواه في أسواق الجاهليات ، إنما هو الدستور الجدي الجاد من رب هو لنا بالمرصاد ، عليما بما يصلحنا ويفسدنا ، وليس تبديله كله أو بعضه يعني إلا خطأه سبحانه فيما أنزل ، أو إتباعه لأهواء هؤلاء الأغباش فيما ينزل!.
ومن بديع الأدب الرسالي لهذا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لم يرد عليهم ما هو باهر له من الرد حتى أمره الله بالرد عليهم : (قُلْ ما يَكُونُ لِي) إذ ليس من شأني كرسول فعل الرب : (أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) وإنما كياني الرسالي ككل (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) وكياني في المسئولية أمام الله (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
وهنا حجتان بيّنتان تردان عليهم ما تطلبوه ، إحداهما (آياتُنا بَيِّناتٍ) حيث تبين أن هذا القرآن يحمل مرادات الله من المكلفين ، وأخراهما : (قُلْ ما يَكُونُ لِي ...).
و (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) قلب عليهم لما يهوون من نكران ذلك اليوم العظيم أنني يمنعني عن الانفراط والانفلات عن أمر ربي والانخراط في سلكهم (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
فمن لا يخاف عذاب يوم عظيم هو الذي لا يخاف أي عصيان مهما وحد الله واعترف به.
ذلك ، وكما ليس له الإتيان بقرآن غير هذا أو تبديله ، كذلك ليس له أن يتخلف قيد شعرة عن سنته الموحاة إليه في تقرير مصير أو إقرار خلافة