ف (هذَا الْقُرْآنُ) كما هنا وفي آيات أخرى ، تدل على أن هناك قرائين أخرى ، مهما عني ب «القرآن» طليقا هذا القرآن كعلم له (١) كما «الكتاب» حيث يجمع كافة كتب الوحي وقرائينه ، فطالما التوراة والإنجيل هما قرآنان ولكنهما أمام القرآن كأنهما ليسا به : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) (٩ : ١١١) كما أن سائر الوحي أمام وحي القرآن كأنها ليست بوحي : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (٤٢ : ١٣) وكما أن سائر الرسل أمام هذا الرسول كأنهم ليسوا برسل ، فلذلك لم يأت النبي ولا الرسول طليقا مفردا إلا لهذا الرسول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ذلك ولا يعني هؤلاء الأنكاد من (بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) إلّا ما يوافق شهواتهم وغاياتهم دون أية مضادة ، جمعا بينها وبين شرعة الوحي ، أن يتبع الحق أهواءهم : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (٢٣ : ١٧).
أجل (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) الذي يوحد الله وينذر بلقاء يوم الله ويكلفنا خلاف أهوائنا ، وكما تطلّب جماعة من مشركي الطائف منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا يكسر صنمهم «اللات» ويضع عنهم فرض الصلاة حتى يؤمنوا ، فأجابهم أن أهم أصول هذا الدين هو التوحيد الذي ينافي اللات وغير اللات ، وأهم فروعه هي الصلاة ، فكيف أجيبكم إلى تطلبّكم هذا.
وقولتهم هذه (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) هي بين شيطنة الجد والهزل ، والفرق بين هذين الاقتراحين أن «غير هذا» هو المغاير تماما إياه إلى ما تهواه أنفسهم ، ثم «أو بدله» يعني تبديله إلى ما هو أسهل منه
__________________
ـ الأربعين ، وعديد معانيه السبعة : طهارة ـ تطهير ـ قراءة ـ إبلاغ ـ رؤية ـ جمع ـ أقتراب ، راجع الفرقان (١٥ : ٧٨ ـ ٨٣).
(١) كما في الأكثرية المطلقة في الآيات التي تحمل لفظ القرآن وهي (٦٨) آية.