إنه يوم مشهود لذلك الجمع ، شاهدين بعضهم بعضا وبعضهم لبعض أم على بعض ، مكشوف لأهل الحشر كلهم دون أي ستار وغطاء على المحشورين وأعمالهم وأحوالهم ، لا تخفى منهم خافية.
(وَما نُؤَخِّرُهُ) : ذلك اليوم الآخر المجموع له الناس ، المشهود للشهداء والناس (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) عندنا ، المجهول بعده وحدّه عند من سوانا ، فإنه من الغيب الطليق الذي لا يظهر الله عليه الله أحدا.
(يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(١٠٨).
وترى ما هو ذلك اليوم؟ هل هو يوم القيامة الكبرى كما عنته الآية السالفة؟ وتعلقت بها «يوم» ظرفا بيانيا؟ وأين فيه السماوات والأرض وقد تفطرتا! ثم الخالدون في جنتها غير خارجين عنها وهنا (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) قد تستثني عن خلودهم فيها!.
أم هو يوم البرزخ؟ لمكان السماوات والأرض ، و (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) لأهل الجنة والنار حيث يخرجون من الجنة البرزخية إلى الحشر ثم إلى جنة الأخرى أو نارها؟ وليس يوما واحدا كما تعنيه «يوم» فلكل ميت يومه فهو ـ إذا ـ أيام! وليس مجموعا له الناس وقد عنته الآية السالفة!.
قد يعنى «يوم» هنا يومي البرزخ والقيامة الكبرى ، فإن لكلّ وجهه الوجيه : فأما القيامة ، فالسماوات والأرض فيها هما غير التي انفطرت حيث تبنى في الأخرى سماوات وأرض أخرى (١) وكما يقول الله : (يَوْمَ
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٣٥٠ ـ أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله : ما دامت السماوات والأرض ، قال : تبدل سماء غير هذه السماء وأرض غير هذه الأرض ، فما دامت تلك السماء وتلك الأرض.