(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ)(١٠٤).
(إِنَّ فِي ذلِكَ) الأنباء المقصوصة عليك ، وذلك الأخذ الأليم الشديد «لآية» باهرة على صادق الحق مبدأ ومعادا ورسالة بينهما (لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) فأما غير الخائف عذابها مهما كان موحدا معتقدا فيها ، فليس في ذلك له آية ، فإنما يصد أكثر الناس عن التبعثر خوف عذاب الآخرة ، فإنهم عبيد يتبعدون خوف العذاب ، ثم بغية الأجر للأجراء وهم أقل ، ثم طاعة الله وترك معصيته لأنه الله لا خوفا من ناره ولا طمعا في جنته وهم الأحرار وهم أقل من الأقل.
«ذلك» اليوم العظيم هو (يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) فهو ـ إذا ـ الآخرة الأخيرة دون البرزخ ، فإنه الآخرة الأولى بعد الدنيا (وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) في الأولى بشهادة الفطرة والعقل والعدل الرباني وكتابات الوحي ، وفي الأخرى هو مشهود لمجموع الناس ، ومشهود بشهادات الشهود فإنه (يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٤٠ : ٥١).
صحيح أن الحياة الدنيا هي يوم مجموع له ناس بقرون متتالية ، ومثلها البرزخ ، ولكن أين مجموع الآخرة منهما ، حيث الجمع فيها يحلّق على الكل دون إبقاء ، لزمان واحد بمحشر واحد ، ثم إن كلّا مكشوف للآخرين كما هو مكشوف لنفسه ، لا تخفى منهم خافية ، فإنه يوم العرض الأكبر ، على الله وعلى ملائكة الله ورسله ، وعلى عباد الله بعضهم لبعض.
والبرزخ يوم عظيم في برزخه بين يوم الدنيا ويوم الدين «واعلم يا ابن آدم أن من وراء هنا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) يجمع الله فيه الأولين والآخرين» (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٣٩٥ في روضة الكافي كلام لعلي بن الحسين (عليهما السلام) في الوعظ والزهد في الدين.