(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) والبشارة هي بطبيعة الحال لا تكون إلّا في الخير ، ولكن لما جعل إخبارهم باستحقاق العذاب في موضع البشارة لغيرهم باستحقاق الثواب ، جاز أن يسمى في ذلك بشارة ، أم لو كانت لهم بشارة فهي اللعنة المتبعة يوم القيامة ، فضلا عن النذارة.
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ)(١٠٠).
النبأ هو خبر ذو فائدة عظيمة ، وهكذا تكون كل الأنباء القرآنية والقصص المسرودة فيه ، فإنه ليس كتابا قصصيا يعني عرض الأحداث فقط ، فإنما يعني الفوائد العظيمة الرسالية التي تضمها ، فلذلك يعبر عنها تارة بالأنباء ، وأخرى بالقصص ، والقصد إلى قصّ تاريخي عن طوماره ، ما فيه فائدة عظيمة جسيمة.
ف «ذلك» الإنباء الرسولي والرسالي هو (مِنْ أَنْباءِ الْقُرى) المتخلفة عن رسالات الله (نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) من غابر التاريخ دون سرد لكل محاصيله ، ف «منها» هذه القرى المقصوصة عليك «قائم» بنفاد أهلها أم بقاء بعض منهم «و» منها «حصيد» حصدت مع أهليها ، فقد تعم (قائِمٌ وَحَصِيدٌ) القرى بأهليها ، بل والقرى في الأصل هي الأهلون ، وتطلق على أمكنتهم بمجاز الملابسة.
فالوصفان بالنسبة لأمكنتهم يعنيان : منها قائم البناء ، خال من الأهل ، ومنها منقوض الأبنية ملحق بالأرض تشبيها بالزرع المحصود.
وهما بالنسبة لهم أنفسهم تشبيه للأحياء الباقين بالزرع النامي ، وللأموات الهالكين بالزرع الذاوي ، وذلك أحسن تمثيل وأوقع تشبيه.
أجل «وإن لكم في القرون السالفة لعبرة ، أين العمالقة وأبناء العمالقة ، أين الفراعنة وأبناء الفراعنة ، أين أصحاب مدائن الرسّ الذين قتلوا النبيين ، وأطفأوا سنن المرسلين ، وأحيوا سنن الجبارين ، أين الذين ساروا بالجيوش ، وهزموا بالألوف ، وعسكروا العساكر ، ومدّنوا المدائن» (من الخطبة ١٨١).