(قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(٨٧).
ردّ مردود في كافة الحقول الإنسانية السليمة ، واضح التهكم ، بيّن الهزء. سخرية الجاهل المطموس المركوس حين لا يجد أي رد عاقل (قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ ..) فما هي الصلة بين صلاتك ، وأن نترك نحن حريتنا في العقيدة والعمل وأن نترك ما يعبد آباءنا أو (أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) فأنت على شغلك وهو صلاتك ونحن على أشغالنا بسنتنا العريقة التي لسنا لنتحلل عنها (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) يقولونها هازئين ، أم ومتسائلين مستنكرين أن لست حليما ولا رشيدا ، أم أن هذه الدعوة لا تناسب الحلم والرشد.
فكما أننا لا نتدخّل في صلاتك فلا تتدخل أنت كذلك في صلاتنا العقيدية والعملية أيها الحليم الرشيد! فليس من الرشد أن تأمرنا بما لا صلة له بصلاتك وسائر عبادتك وأية صلاتك ، فقد (كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) بالحلم والرشد ، فكيف تأمرنا بخلاف الرشد؟!.
ورغم أن هؤلاء الأغباش المجاهيل لم يجدوا بمحضرهم من الهزء في المفاصلة التامة إلّا صلاته وعبادتهم وتجارتهم الباخسة ، نرى أن الصلاة الناشئة عن عقيدة التوحيد هي مع سائر الشؤون الحيوية لحمة واحدة ، فالشعائر كلها ومعها المعاملات كلها هي ذات صلة عريقة قريبة بصالح العقيدة ، ف (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ ، وَالْمُنْكَرِ) فهي الآمرة بكل عرف والناهية عن كل نكر.
ذلك ، وقد نرى الجاهلية المتحضرة هي أنكى من الغابرة في أمثال هذه المواجهات الجاهلة مع دعاة الحق ، ولا فحسب في الجاهلية الملحدة أو المشركة. بل والجاهلية التي تسربت إلى أدمغة مجاهيل من المسلمين فترسبت فيها لحد خيّل إليهم أن لكل من العقيدة وعمليات الحياة دورها الخاص ، قد تجتمعان وقد تفترقان ، فقد يتساءلون : ما للإسلام وسلوكنا الشخصي الذي يخصنا في صالح الحياة ، وما أشبه من