أجل ، إنه البقية المتميزة بين (أُولُوا بَقِيَّةٍ) لا في مقامه السامي ، فإن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) أسمى منه ، وإنما في تحقيق البقية المحمدية وسائر البقيات النقيات الرسالية على مدار الزمن الرسالي.
هنا في حقل البقية (اللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (٢٠ : ٧٣) ثم بقية منه هم الدعاة إلى الله ، ثم الدعوة إلى الله ، ف (بَقِيَّتُ اللهِ) ـ هي في الأصل ـ البقية الربانية من الله ، إبقاء على من يتبع شرعة الله ، ثم الذين يحملون شرعة الله برسالته ودعوته ، ومن ثم البقية الباقية من الدعاة المعصومين (عليهم السلام) إلى الله ، وهو بقيت الله في الأرضين صاحب العصر وحجة الدهر القائم المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
ففي حين يصدق على شعيب أنه من (بَقِيَّتُ اللهِ) ولكن (ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) يحوّل الأصل في هذه البقية إلى الله ، أنه البقية الحفيظة ، وما الذين يحملون رسالاته إلا بقيات منه وبإذنه ، وليسوا حفاظا لا في تحقق الهدى ولا في تطبيق شرعة ، اللهم إلّا هدى دلالية معصومة بالله ، وبمثل ذلك الأسلوب المرن الحذير ، البشير النذير ، يشعر المخاطبون بخطورة الموقف وثقل التبعة واقفين وجها لوجه أمام العاقبة التي ترقبهم بلا وسيط ولا حفيظ.
ذلك و (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تخرج الناقصين في المكيال والميزان عن الإيمان حين يزعمون أن هذه البقية الباغية خير من البقية النقية الساغية!.
فكما أن المتعودين على الربا يقال لهم : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) (٢ : ٢٧٩) كذلك الناقصين في المكيال والميزان يقال لهم : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
وإنما قالوا (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ) لأنها أظهر مظاهر الإيمان ، وأن شعيبا كان دائب الصلاة لأنها خير موضوع وقربان كل تقي ، وهم كانوا دائبي الهزء به إذا مروا به وهو يصلي ، فلما وعظهم ردوا عليه بما كان يفعله ، قاصدين أنت شأنك وصلاتك فما يخصك بما نعتقد أو نعمل (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ ...).