ولما ذا «قيل» مجهولا؟ والقائل وهو الله معروف! علّه لكي لا يضخم تلك الإرادة من الله ، فليس الله ليتكلف في ذلك القول تكوينيا كما لم يتكلف في قوله الأول ولا أي قول ، إذا ف «قيل» لمحة إلى أنه له تعالى هين ، وإنما هو رهن إشارة خاطفة تتبعها رادفة.
وليس القول هنا لفظيا يخاطب فيه الأرض والسماء ، بل هو تكويني كما «قال (لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٤١ : ١١) و (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣٦ : ٨٢) فهو أمر الإرادة التكوينية لمكان «أردناه» فلا يتخلف خلاف ما يروى (١) لا التشريعية فإنه لها أمر ليفعل وقد يتخلف عن شرعته.
و (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) مما يدل على أن الأرض أظهرت ماءها كلها على ظهرها ، وكما تدل (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) فإنه التفجير الطليق للأرض كلها عيونا جارية على وجهها.
ثم (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) دليل أن نصيبا من ذلك الماء كان يخص السماء وكما تدل (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) فقد غرقت الأرض كلها بكل ماءها وبعض من ماء السماء ، ثم (قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا
__________________
ـ أقول : لم تكن دعوة نوح إلا دعوة الله تعالى إذ لا دعوة لنوح في الكون إلا بأمر الله ، فكيف يتخلف عن أمره ، ماء وغير ماء؟!.
وفيه ٣١٧ عن الحسن والحسين (عليهما السلام) انهما قالا : إن الله تبارك وتعالى لما آسفه قوم نوح فتح السماء بماء منهمر وأوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون فلعنها وجعلها ملحا أجاجا.
أقول : وكيف يستعصي الله في أمره التكويني أي كائن؟ فما هذه إلّا من المختلقات الزور!.
(١) نور الثقلين ٢ : ٣٦٥ في تفسير العياشي إبراهيم بن أبي العلاء عن غير واحد عن أحدهما (عليهما السلام) قال : لما قال الله : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) قال الأرض : إنما أمرت أن أبلغ مائي أنا فقط ولم أومر أن أبلغ ماء السماء ، قال : «فبلعت الأرض ماءها وبقي ماء السماء فصير بحرا حول الدنيا» أقول : إذا عني من «حول الدنيا» السماء المجاورة للأرض دون وجه الأرض فله وجه وإلا فلا وجه له حيث السماء ليست لتتخلف عن إقلاع ماءها المخصوص بها.