من الوعي ، فإنما الأراذل هم الذين رذّلوهم وظلموهم وهضموهم حقوقهم ، فهم ـ إذا ـ أفاضل وليسوا أراذل ، واتّباعهم رسل الله هو بنفسه دليل على أن رسالات الله ناحيه ـ كأساس ـ منحى الحفاظ على حقوق المظلومين المهضومين ، فهم يعيشون تحت ظلالهم ، ويخرجون بذلك عن ضلالهم.
ثم في دمج نوح بمن اتبعوه من «الأراذل» ترذيل له نفسه ، فلو كان فضيلا لما اتبعه رذيل ، وأقل ما في الدور أننا (ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) يفضلكم علينا بفضيلة الرسالة ، فالنتيجة : (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) في دعوى الرسالة واتباعها ، فلا رسولكم رسول ولا أنتم مؤمنون برسول.
وهنا الجواب الحاسم ، القاصم ظهور المستكبرين ، يأتي في صيغة الاستفهام الاستنكار:
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ)(٢٨).
هنا لا يحتّم ـ قضية حائطة الحوار وأدبه الأريب ـ أنه على بينة من ربه ، وإنما (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) تقديما ل «أرأيتم» تحريضا لتحرّيهم عما يدعيه لكي يصدقوه على بينة أم يكذبوه على بينة ، حثا على إعمال الرأي في إمكانية كونه على بينة من ربه ، ومن ثم واقعه ، وقد كان واقعا عمّى عليهم بسوء تقصيرهم ، وتفسير هم لكيان نوح والذين آمنوا معه.
ثم (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) خاصة بين البشر وهي الرحمة الروحية المتميزة الرسالية بعصمتها وبلاغها ، أترون الله بخيلا أم عاجزا لا يستطيع على إتياني رحمة من عنده؟.
ف (كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) تعني بينة الرسالة الربانية الخاصة ، البينة من حالي وفعالي وأعمالي وكما (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) حيث التربية الرسالية الربانية باهرة فينا ، ظاهرة علينا ، فهذه بينة البرهان ، وأما المبرهن عليه ف (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) تبينها اني (عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) تلك البينة وهذه الرحمة إذ أنتم حاصرون الرحمة