وهو الفقر المادي الحسي ، متجاهلين الثروة الروحية التي تدعوا لإتباع الحق المبين.
و «ما نرى الثالثة» سلب لأي فضل وحتى الروحي إذ لا يرى حسيا ، ورؤية الفضائل الروحية هي رؤية عقلية روحية ، وليس «من فضل» تختص بالفضل الحسي لمكان «فضل» النكرة في سياق النفي من هؤلاء الذين يعنون سلب أي فضل مهما كان روحيا فهم لا يعتبرونه فضلا ، مجاراة مع نوح (عليه السلام) (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) (٢٣ : ٢٤).
ثم النتيجة (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) هي ظن يتبنى «ما نرى» في حقل سلب الرؤية الحسية (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ).
فلقد عمّيت على هؤلاء الأعمين أصل الفضيلة وهي الروحية ، زاعمين أن الفضيلة هي فقط الفضيلة في الحياة الدنيا بزخرفاتها وقواتها الحيوانية ، فحرموا أنفسهم من رحمة غالية ربانية.
ذلك رد العليّة المستكبرين من قومه كما هو رد سائر المستكبرين طول الزمان وعرض المكان ، اعتذارا جاهلا ماحلا قاحلا ليس ليقصد الجد ، وإنما هو للفرار عن المسئولية ، والقرار على الأريحية والإباحية الطليقة ، فحتى إذا أرادوا أن يعبدوا فهم عابدون ما أرادوا كما يشتهون ما لا يحملهم أو زار التكليف الذي يحدد شهواتهم ورغباتهم ، وأوضاره.
ذلك ، وفي استنكار رسالة البشر إلى البشر تغاض عن أهلية البشر لحمل الرسالة الربانية ، رغم أن الله خلقهم في أحسن تقويم ، ولكنهم يردون أنفسهم بأنفسهم إلى أسفل سافلين!.
هذا! وفي رسالة البشر إلى البشر تبجيل لهذا البشر أنه مكتف بنفسه في حمل الرسالة ، وهذه أقرب إلى القبول ، وأغرب عن الذّبول والأفول ، وأقوى حجة عند أرباب العقول.
ثم في تسمية الفقراء العزّل المظلومين أراذل رذالة من الرأي ، وثفالة