غير الأولية ، فإنها تحللات عن الكياني المادي العارض دون كونه الذاتي أصلا لوجوده.
فلذلك لا تعني «الماء» أية مركّبة مادية غير الأولية ، سواء أكانت مركبة الماء المعروف عندنا ، أم الذرات التي تشكله ككل (٢) أم كلّ من ذرتي الأوكسيجين والئيدروجين ، أم وأجزاء كلّ ، إذ لم تثبت أمومة سائر التركبات غير الأولية لأية ذرة وصل العلم إليها حتى الآن ، ولن يصل إليها بعد الآن ، حيث الأم الأولى غائبة عن الحواس والعقول في كلّ الحقول ، إلا أن يكشف الوحي عن وجهها النقاب وقد كشف هنا وفي آية الذاريات : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٥١ : ٤٩).
ذلك ، وكما أن المركبات غير الأولية ركّبت من عناصر وجزئيات وذرات ، وكذلك الذرات ركبت من أخرى لا نعرفها ، هكذا المادة الفردة الأولى أخذت تتركب بمختلف الفواصل والأشكال حتى حصلت مواد أخرى ومنها الذرات التي نعرفها.
ولأن «الماء» كيفما كان ـ ليس إلّا مادة ، إذا فليس الكون المخلوق منها إلّا مادة أو مادية ، إذ لا يخلق المجرد عن المادة كما لا تخلق المادة عن المجرد لمكان التباين بينهما ، فالأرواح وما أشبه ، المعبر عنها بالمجردات هي كلها ماديات خلقت من «الماء».
ثم وتأويل الماء إلى العقل المجرد والروح المجرد ليس ليفيد القائلين الغائلين بتجرد الأرواح والعقول بنفس السند ، وليس الماء مركبا من المجرد والمادة ـ لو صح ذلك التركب وأمكن ـ حيث ينتشئ المجرد عن مجرده والمادة عن مادته ، إنما هو «الماء».
إذا فخلق كل شيء من «الماء» يطارد خلق المجردات إلّا ألا تكون من الأشياء المشمولة ل (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) و (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) وما أشبه من آيات.
ذلك عرض للمادة الأولية المخلوق منها السماوات والأرض بتعبير