«الماء» ولم يخلق هو نفسه من شيء ، بل هو المخلوق لا من شيء حيث خلقه الله لا من شيء سبق ، لا من شيء ذاته فإنه باين من خلقه وخلقه باين منه ، ولا من شيء خارج ذاته ، لأنه حسب النص أوّل ما خلق الله ، فليكن مخلوقا لا من شيء ، وإنما بإرادة الله تعالى خلقا لذلك المخلوق الأول ، دون أن يكون هناك مخلوق منه.
فكل خلق بعد الماء له مخلوق منه هو الماء ، وليس للماء نفسه مخلوق منه ، وإنما كيانه تركّب مّا تحتاجه المادة في أصل كونها وكيانها ، وليس ذلك تركبا من جزئيه بعد خلقهما وكونهما منفصلين ، حيث لا كون ولا كيان لكل منهما إلّا حالة تركّبهما ، فذلك المركب يكون كأول كائن مركبا ، ثم انعدامه يساوي ويساوق انفصالهما ، فإنه انفصال عن كونهما تماما ، وتمام التفصيل حول هذه المادة البسيطة راجع إلى آية الذاريات : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ).
وحصيلة البحث حول الآية ـ بمراجعة أخرى إليها ـ كالتالية :
«الماء» فيها حيث يقابل (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ليس هو الماء المخلوق في السماوات والأرض ، فإنهما ـ كلما تذكران في القرآن ـ عبارة أخرى عن الكون كله ، فحين تفردان بالذكر تعنيان كافة الكائنات المخلوقة أمّا والدة سائر الكائنات المخلوقة منها ، وحين تقرنان ب «الماء» أمّا أشبه ، تعنيان الكون كله إلّا «الماء» أمّا أشبه.
ثم الله جعل للسماوات والأرض نسبا هو الماء ولم يجعل للماء نسب ينسب إليه ، فقد يعلم أن ليس للماء نسب وماء السماوات والأرض له نسب ال (٢) حيث ركّب منهما.
ولأن كافة التركيبات غير الأولية راجعة إلى «الماء» فليكن هو المركب الأوّل غير المركب عن مادة أخرى ، فهي ـ إذا ـ مادة فردة لا تركيب لها عارضا على أجزاءها ، اللهم إلا التركب الذاتي الذي لو تحلل عنه لكان تحللا عن كونه المادي بأسره ، رغم سائر التحللات في التركبات