ولو كان «الماء» هنا هو المعروف عندنا فكيف ـ إذا ـ يتفجر ويرتفع عنه الدخان وهو المستصحب مع اللهيب أو يضطرم نارا ، أو يخلق منه نار ، وقد نص القرآن أن السماء كانت دخانا : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ...) (٤١ : ١١) فهذه التفجرة الأولى في التكوين ، التي أولدت السماوات والأرض ، كانت في المادة الأم المعبر عنها ب «الماء» وعلّه أم الذرات وأصل حروف التكوين ، وقد تفجرت فانفجرت منها سائر حروف التكوين الصالحة لخلق السماوات والأرض بما فيهما وما بينهما.
ولأن الله تعالى جعل نسب كل شيء إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا ـ وكما يروى ـ فهذا الماء قد يكون هي الحروف الأولية لسائر التكوين بعده ، فعلها المادة الفردة ذات بعدين اثنين وهما أقل تركيب لأي كائن كان ، فقد خلقت سائر حروف التكوين ـ ذرات أما أشبه ـ من تلك التفجّرة الأولى ، كما تخلق الجزءيات من هذه الذرات ، وتخلق العناصر من الجزئيات.
والمحاولات الكادحة البشرية هي كلها كالحة في حقول الحصول على معرفة المادة الأولى التي هي أبسط المواد ، وهي البداية والنهاية لكيان المادة ، بدء لتكوينها منها ، وختما لإعدامها فيها.
فلا مجال ـ إذا ـ لإحتمال أن «الماء» هنا هو المعروف لدينا ، حيث السماوات والأرض وهما وليدا ذلك الماء ، هما يحملان الماء المعروف ، وله نسب هما الذرتان ، كما ولكل ذرة نسب هو أجزاءها التي تتشكل منها ، ثم ليس قابلا للاحتراق حتى يصعد منه دخان وهو المستصحب للهيب ، ولو كان القصد من «الماء» هو الذرات التي يتشكل منها لكان الصحيح ذكرها بما يناسب تعريفها.
ثم وليست لفظة الماء بالتي تعيّن المعروف لدينا ، بل القرائن هي التي تقرر كيانه ، وهنا المقرر كتابا وسنة هو المادة الأولية لخلق الكون القابلة للاحتراق ، التي ليس لها نسب يرجع إليه ، وليس خلقها بإرادة الله نسبا له ، إنما النسب هو الذي خلق منه ، فقد خلق كل شيء من ذلك