(ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) مصاحبا الحق وبسبب الحق ، حق العلم وحق الحكمة التربوية وسائر الحق في الخلق.
وهاتان الآيتان هما من عساكر البراهين القرآنية على أصالة الشهور والسنين القمرية ، ولقد فصلنا القول حول الشمس والقمر وأحوالهما في هذا الفرقان على ضوء آياتهما فلا نعيد.
(يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يعلمون النظام عن الفوضى ، والترتيب القاصد عن الصدفة العمياء ، ففي تقدير القمر منازل على ضوء جعل الشمس ضوء بأنه لا يزال يتباعد عنها حتى يوافيها من جانب آخر ارتساما للأيام فالمشهور فالسنين ، إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون.
مشهدان مألوفان معروفان ليل نهار لمن له بصر ، يعرضان في مسرح التدليل على ربوبيته تعالى إثارة في مشاعرنا وهلة الجدة وإحساس التطلّع الحي والتأمل الذي لا يبلّده التكرار.
(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)(٦).
من إختلاف الليل والنهار هو مجيء كلّ خلف الآخر بنظام دون فوضى ، وهكذا يفسر قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «اختلاف أمتي رحمة» فإنه اختلافهم إليه وإلى رباني الأمة ، ومنه اختلافهما عن بعضهما البعض في الطول والقصر حسب أيام السنة ، وحسب مختلف الآفاق ، واختلافهما في الآثار المترتبة عليهما : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) (٧٨ : ١١).
فالاختلاف قد يعني الائتلاف بإتيان شيء أو شخص خلف آخر إفادة أو استفادة ، وأخرى هو التضاد بجعل كل خلف الآخر تخالفا في المرام وتضادا في المرام.
والقرينة الأدبية المميزة لكل عن الآخر هي الظرف المتعدي به الإختلاف ، فالاختلاف «في» أو «عن» وما أشبه هو من الثاني ،